اما بعد فإن الله تبارك وتعالى أنقذ الخلق من نائرة الجهل وخلص الورى من زخارف الضلالة بالكتاب الناطق والوحي الصادق المنزلين على سيد الورى نبينا محمد المصطفى ثم أوجب النجاة من النار وأبعد عن منزل الذل والخسار لمن أطاعه في امتثال ما أمر والكف عما عنه نهى وزجر فقال ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون وطاعة الله في طاعة رسوله وطاعة رسوله في اتباع سننه إذ هي النور البهي والامر الجلي والحجة الواضحة والمحجة اللائحة من تمسك بها اهتدى ومن عدل عنها ضل وغوى ولما كان ثابت السنن والآثار وصحاح الأحاديث المنقولة والاخبار ملجأ المسلمين في الأحوال ومركز المؤمنين في الأعمال إذ لا قوام للاسلام الا باستعمالها ولا ثبات للايمان الا بانتحالها وجب الاجتهاد في علم أصولها ولزم الحث على ما عاد بعمارة سبيلها وقد استفرغت طائفة من أهل زماننا وسعها في كتب الأحاديث والمثابرة على جمعها من غير أن يسلكوا مسلك المتقدمين وينظروا نظر السلف الماضين في حال الراوي والمروى وتمييز سبيل المرذول والمرضى واستنباط ما في السنن من الاحكام وإثارة المستودع فيها من الفقه بالحلال والحرام بل قنعوا من الحديث باسمه واقتصروا على كتبه في الصحف ورسمه فهم أغمار وحملة أسفار قد تحملوا المشاق الشديدة وسافروا إلى البلدان البعيدة وهان عليهم الدأب والكلال واستوطئوا مركب الحل والارتحال وبذلوا الأنفس والأموال وركبوا المخاوف والأهوال شعث الرؤس شحب الألوان خمص البطون نواحل الأبدان يقطعون أوقاتهم بالسير في البلاد طلبا لما علا من الاسناد لا يريدون شيئا سواه ولا يبتغون الا إياه يحملون عمن لا تثبت عدالته ويأخذون ممن لا تجوز أمانته ويروون عمن لا يعرفون صحة حديثه ولا يتيقن ثبوت مسموعة ويحتجون بمن لا يحسن قراءة صحيفته ولا يقوم بشئ من شرائط الرواية ولا يفرق بين السماع
(١٨)