الأحاديث الصحيحة وجدها كلها دالة على قول جمهور العلماء وأنها فتحت عنوة. ثم اختلفوا لأي شئ لم يقسمها، فقالت طائفة لأنها دار النسك ومحل العبادة، فهي وقف من الله تعالى على عباده المسلمين، فقالت طائفة الإمام مخير في الأرض بين قسمتها وبين وقفها، والنبي صلى الله عليه وسلم قسم خيبر ولم يقسم مكة فدل على جواز الأمرين.
قالوا والأرض لا تدخل في الغنائم والمأمور بقسمتها بل الغنائم هي الحيوان والمنقول لأن الله تعالى لم يحل الغنائم لأمة غير هذه الأمة وأحل لهم ديار الكفر وأرضهم كما قال تعالى:
(وإذا قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم - إلى قوله - يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) وقال في ديار فرعون وقومه وأرضهم (كذلك وأورثناها بني إسرائيل) فعلم أن الأرض لا تدخل في الغنائم، والإمام مخير فيها بحسب المصلحة، وقد قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك، وعمر لم يقسم بل أقرها على حالها وضرب عليها خراجا مستمرا في رقبتها تكون للمقاتلة، فهذا معنى وقفها، ليس معناه الوقف الذي يمنع من نقل الملك في الرقبة، بل يجوز بيع هذه الأرض كما هو عمل الأمة. وقد أجمعوا على أنها تورث والوقف لا يورث. كذا في زاد المعاد.
(عام الفتح) ظرف لقوله جاءه (فأسلم) أي أبو سفيان (بمر الظهران) بفتح الميم وشدة الراء وفتح المعجمة وإسكان الهاء وبالراء والنون موضع بقرب مكة (فقال له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (يحب هذا الفخر) أي يحب هذا الفخر الذي يفتخرون به من أمور الدنيا.
وعند ابن أبي شيبة فقال أبو بكر يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب السماع يعني الشرف فقال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقال وما تسع داري. زاد ابن عقبة ومن دخل دار حكيم فهو آمن وهي من أسفل مكة، ودار أبي سفيان بأعلاها، ومن دخل المسجد فهو آمن، قال وما يسع المسجد؟ قال: ومن أغلق بابه فهو آمن. قال أبو سفيان هذه واسعة انتهى. كذا في شرح المواهب (من دخل دار أبي سفيان إلخ) استدل به الشافعي وموافقوه على أن دور مكة مملوكة يصح بيعها وإجارتها لأن أصل الإضافة إلى الآدميين يقتضي ذلك وما سوى ذلك مجاز، وفيه تأليف لأبي سفيان وإظهار لشرفه قاله النووي والحديث سكت عنه المنذري.