الوجوه لأن الإقبال على عدو الله وموالاته توجب إعراضه عن الله، ومن أعرض عنه تولاه الشيطان ونقله إلى الكفر. قال الزمخشري: وهذا أمر معقول، فإن موالاة الولي وموالاة العدو متنافيان، وفيه إبرام وإلزام بالقلب في مجانبة أعداء الله ومباعدتهم والتحرز عن مخالطتهم ومعاشرتهم (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين) والمؤمن أولى بموالاة المؤمن، وإذا والى الكافر جره ذلك إلى تداعي ضعف إيمانه، فزجر الشارع عن مخالطته بهذا التغليظ العظيم حسما لمادة الفساد (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين) ولم يمنع من صلة أرحام من لهم من الكافرين ولا من مخالطتهم في أمر الدنيا بغير سكنى فيما يجري مجرى المعاملة من نحو بيع وشراء وأخذ وعطاء ليوالوا في الدين أهل الدين ولا يضرهم أن يبارزوا من يحاربهم من الكافرين. وفي الزهد لأحمد عن ابن دينار " أوحى الله إلى نبي من الأنبياء قل لقومك لا تدخلوا مداخل أعدائي ولا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تركبوا مراكب أعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي " كذا في فتح القدير للمناوي. وقال العلقمي في الكوكب المنير شرح الجامع الصغير حديث سمرة إسناده حسن وفيه وجوب الهجرة على من قدر عليها ولم يقدر على إظهار الدين أسيرا كان أو حربيا، فإن المسلم مقهور مهان بينهم، وإن انكفوا عنه فإنه لا يأمن بعد ذلك أن يؤذوه أو يفتنوه عن دينه.
وحق على المسلم أن يكون مستظهرا بأهل دينه وفي حديث عند الطبراني " أنا برئ من كل مسلم مع مشرك " وفي معناه أحاديث انتهى.
قال الإمام ابن تيمية: عند المشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة، والمشابهة في الهدى الظاهر توجب مناسبة وائتلافا وإن بعد الزمان والمكان، وهذا أمر محسوس، فمرافقتهم ومساكنتهم ولو قليلا سبب لنوع ما من انتساب أخلاقهم التي هي ملعونة، وما كان مظنة لفساد خفي غير منضبط علق الحكم به وأدير التحريم عليه، فمساكنتهم في الظاهر سبب ومظنة لمشابهتهم في الأخلاق والأفعال المذمومة بل في نفس الاعتقادات، فيصير مساكن الكافر مثله وأيضا المشاركة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا مما يشهد به الحسن، فإن الرجلين إذا كانا من بلد واجتمعا في دار غربة كان بينهما من المودة والائتلاف أمر عظيم بموجب الطبع. وإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة فكيف بالمشابهة في الأمور الدينية، فالموالاة للمشركين تنافي الإيمان (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) انتهى كلامه.