(إذا دعي أحدكم إلى طعام وهو صائم فليقل إني صائم) قال النووي: محمول على أنه يقوله اعتذارا له وإعلاما بحاله، فإن سمح له ولم يطالبه بالحضور سقط عنه الحضور وإن لم يسمح وطالبه بالحضور لزمه الحضور وليس الصوم عذرا في إجابة الدعوة لكن إذا حضر لا يلزمه الأكل ويكون الصوم عذرا في ترك الأكل بخلاف المفطر فإنه يلزمه الأكل، والفرق بين الصائم والمفطر منصوص عليه في الحديث الصحيح كما هو معروف في موضعه. وأما الأفضل للصائم فإن كان يشق على صاحب الطعام صومه استحب له الفطر وإلا فلا. هذا إذا كان صوم تطوع فإن كان صوما واجبا حرم الفطر. ومعنى هذا الحديث أنه لا بأس بإظهار نوافل العبادة من الصوم والصلاة وغيرهما إذا كان دعت إليه حاجة، والمستحب إخفاؤها إذا لم تكن حاجة وفيه الإرشاد إلى حسن المعاشرة وإصلاح ذات البين وتأليف القلوب وحسن الاعتذار عند سببه.
قال المنذري: أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة.
(باب الاعتكاف) قال النووي: هو في اللغة الحبس والمكث واللزوم، وفي الشرع المكث في المسجد من شخص مخصوص بصفة مخصوصة ويسمى الاعتكاف جوارا، ومنه الأحاديث الصحيحة منها حديث عائشة رضي الله عنها في أوائل الاعتكاف في صحيح البخاري قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصغي إلي رأسه وهو مجاور في المسجد فأرجله وأنا حائض " وقد جاءت الأحاديث في اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر من رمضان والعشر الأول من شوال، ففيها استحباب الاعتكاف وتأكد استحبابه في العشر الأواخر من رمضان. وقد أجمع المسلمون على استحبابه وأنه ليس بواجب، وعلى أنه متأكد في العشر الأواخر من رمضان.
ومذهب الشافعي وأصحابه وموافقيهم: أن الصوم ليس بشرط لصحة الاعتكاف، بل يصح اعتكاف المفطر ويصح اعتكاف ساعة واحدة ولحظة واحدة، وضابطه عند أصحابنا مكث يزيد على طمأنينة الركوع أدنى زيادة، ولنا وجه أنه يصح اعتكاف المار في المسجد من غير لبث والمشهور الأول. فينبغي لكل جالس في المسجد لانتظار صلاة أو لشغل آخر من آخرة أو دنيا أن ينوي الاعتكاف فيحسب له ويثاب عليه ما لم يخرج من المسجد، فإذا خرج ثم دخل