العربية أن جملة الحال إذا صدرت بفعل ماض قدرت فيه كقوله تعالى: (أو جاؤوكم حصرت صدورهم) أي قد حصرت وكذا ههنا بقدر قد والجملة ماضية سابقة على السلام الواقع من كل أحد وحتى ليست للتعليل بل لمجرد العطف بمعنى الواو فصار تقدير الحديث: ما من أحد يسلم علي إلا قد رد الله علي روحي قبل ذلك وأرد عليه. وإنما جاء الإشكال من أن جملة رد الله علي روحي بمعنى حال أو استقبال، وظن أن حتى تعليلية ولا يصح كل ذلك. وبهذا الذي قدرناه ارتفع الإشكال من أصله. ويؤيده من حيث المعنى أن الرد لو أخذ بمعنى حال أو استقبال للزم تكرره عند تكرر المسلمين، وتكرر الرد يستلزم تكرر المفارقة، وتكرر المفارقة يلزم عليه محذورات، منها تألم الجسد الشريف بتكرار خروج روحه وعوده أو نوع ما من مخالفة تكرير إن لم يتألم ومنها مخالفة سائر الناس من الشهداء وغيرهم إذا لم يثبت لأحدهم أنه يتكرر له مفارقة روحه وعوده بالبرزخ وهو صلى الله عليه وسلم أولى بالاستمرار الذي هو أعلى رتبة: ومنها مخالفة القرآن إذ دل أنه ليس إلا موتتان وحياتان، وهذا التكرار يستلزم موتات كثيرة وهو باطل.
ومنها مخالفة الأحاديث المتواترة الدالة على حياة الأنبياء وما خالف القرآن والسنة المتواترة وجب تأويله.
قال البيهقي في كتاب الاعتقاد: الأنبياء بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء. والحديث أخرجه البيهقي في كتاب حياة الأنبياء بلفظ: ((إلا وقد رد الله علي روحي)) بزيادة لفظ ((قد)) وقال البيهقي في شعب الإيمان: وقوله: ((إلا رد الله علي روحي)) معناه والله أعلم إلا وقد رد الله علي روحي فأرد عليه السلام، فأحدث الله عودا على بدء.
قال السيوطي: ولفظ الرد قد لا يدل على المفارقة بل كني به عن مطلق الصيرورة وحسنه هذا مراعاة المناسبة اللفظية بينه وبين قوله حتى أرد عليه السلام فجاء لفظ الرد في صدر الحديث لمناسبة ذكره بآخره. وليس المراد بردها عودها بعد مفارقة بدنها وإنما النبي صلى الله عليه وسلم بالبرزخ مشغول بأحوال الملكوت مستغرق في مشاهدته تعالى كما هو في الدنيا بحالة الوحي، فعبر عن إفاقته من تلك الحالة برد الروح انتهى.
وقال الشيخ تاج الدين الفاكهاني: فإن قلت: قوله ((إلا رد الله علي روحي)) لا يلتئم مع كونه حيا دائما، بل يلزم منه أن تتعدد حياته ومماته، فالجواب أن يقال معنى الروح هنا النطق مجازا، فكأنه قال: إلا رد الله علي نطقي وهو حي دائما، لكن لا يلزم من حياته نطقه فيرد عليه نطقه عند سلام كل أحد، وعلاقة المجاز أن النطق من لازمه وجود الروح، كما أن الروح من لازمه وجود النطق بالفعل أو القوة، فعبر صلى الله عليه وسلم بأحد المتلازمين عن الآخر. ومما يحقق ذلك أن