الحديث بطوله في باب غزوة تبوك (أبشر يا كعب بن مالك بخير يوم أتى عليك منذ ولدتك أمك) استشكل هذا الاطلاق بيوم إسلامه فإنه مر عليه بعد أن ولدته أمه وهو خير أيامه فقيل هو مستثنى تقديرا وإن لم ينطق به لعدم خفائه والأحسن في الجواب أن يوم توبته مكمل ليوم إسلامه فيوم إسلامه بداية سعادته ويوم توبته مكمل لها فهو خير جميع أيامه وإن كان يوم إسلامه خيرها فيوم توبته المضاف إلى إسلامه خير من يوم إسلامه المجرد عنها (لقد تاب الله) أي أدام توبته (على النبي) فيما وقع منه من الإذن في التخلف أو فيما وقع منه من الاستغفار للمشركين وليس من لازم التوبة أن يسبق الذنب ممن وقعت منه أوله لأن كل العبادة محتاج إلى التوبة والاستغفار وقد تكون التوبة منه على النبي من باب أنه ترك ما هو الأولى والأليق كما في قوله عفا الله عنك لم أذنت لهم ويجوز أن يكون ذكر النبي لأجل التعريض للمذنبين بأن يتجنبوا الذنوب ويتوبوا عما قد لابسوه منها قال أهل المعاني هو مفتاح كلام للتبرك وفيه تشريف لهم في ضم توبتهم إلى توبة النبي كما ضم اسم الرسول إلى اسم الله في قوله فإن لله خمسه وللرسول فهو تشريف له (و) كذلك تاب الله سبحانه على (المهاجرين والأنصار) فيما قد اقترفوه من الذنوب ومن هذا القبيل ما صح عنه من قوله إن الله اطلع على أهل بدر فقال أعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم والانسان لا يخلو من زلات وتبعات في مدة عمره إما من باب الصغائر وإما من باب ترك الأفضل ثم وصف سبحانه المهاجرين والأنصار بأنهم (الذين اتبعوه) أي النبي فلم يتخلفوا عنه (في ساعة العسرة) هي غزوة تبوك فإنهم كانوا فيها في عسرة شديدة وتسمى غزوة العسرة والجيش الذي سار يسمى جيش العسرة لأنه كان عليهم عسرة في الزاد والظهر والماء وأخرج ابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي وغيرهم عن ابن عباس أنه قال لعمر بن الخطاب حدثنا من شأن ساعة العسرة فقال خرجنا مع رسول الله إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا فأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع حتى إن الرجل لينحر بعيره
(٤٠٣)