باب ما جاء لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير من أن يمتلئ شعرا قوله (لأن يمتلئ) من الامتلاء (جوف أحدكم قيحا) بفتح القاف وسكون التحتية بعدها مهملة أي مدة لا يخالطها دم وهو منصوب على التمييز (خير له من أن يمتلئ) أي جوفه (شعرا) ظاهره العموم في كل شعر لكنه مخصوص بما لم يكن مدحا حقا كمدح الله ورسوله وما اشتمل على الذكر والزهد وسائر المواعظ مما لا إفراط فيه ويؤيده حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شئ قلت نعم قال هيه فأنشدته بيتا فقال هيه ثم أنشدته بيتا فقال هيه حتى أنشدته مائة بيت رواه مسلم قال ابن بطال ذكر بعضهم أن معنى قوله خير له من أن يمتلئ شعرا يعني الشعر الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم وقال أبو عبيد والذي عندي في هذا الحديث غير هذا القول لأن الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم لو كان شطر بيت لكان كفرا فكأنه إذا حمل وجه الحديث على امتلاء القلب منه أنه قد رخص في القليل منه ولكن وجهه عندي أن يمتلئ قلبه من الشعر حتى يغلب عليه فيشغله عن القرآن وعن ذكر الله فيكون الغالب عليه فأما إذا كان القرآن والعلم الغالبين عليه فليس جوفه ممتلئا من الشعر قال الحافظ وأخرج أبو عبيد التأويل المذكور من رواية مجالد عن الشعبي مرسلا فذكر الحديث وقال في آخره يعني من الشعر الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقع لنا ذلك موصولا من وجهين آخرين فذكرهما الحافظ وضعفهما قلت والظاهر أن المراد من الامتلاء أن يكون الشعر مستوليا عليه بحيث يشغله عن القرآن والذكر والعلوم الشرعية وهو مذموم من أي شعر كان وقد ترجم الامام البخاري رحمه الله في صحيحه على هذا الحديث من رواية ابن عمر وأبي هريرة باب ما يكره أن يكون الغالب على الانسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله والعلم والقرآن
(١١٦)