فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كيده فقال أبو بكر الصديق يا رسول الله إن الله قد عودك في الدعاء خيرا فادع لنا فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأهطلت ثم سكبت فملأوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر (من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم) في كاد ضمير الشأن بيان لتناهي الشدة وبلوغها النهاية ومعنى يزيغ يتلف بالجهد والمشقة والشدة وقيل معناه يميل عن الحق ويترك المناصرة والممانعة وقيل معناه يهم بالتخلف عن الغزو لما هم فيه من الشدة العظيمة وفي قراءة ابن مسعود من بعد ما زاغت وهم المتخلفون على هذه القراءة وفي تكرير التوبة عليهم بقوله (ثم تاب عليهم) تأكيد ظاهر واعتناء بشأنها هذا إن كان الضمير راجعا إلى من تقدم ذكر التوبة عنهم وإن كان الضمير إلى الفريق الثاني فلا تكرار وذكر التوبة أو لا قبل ذكر الذنب تفضلا منه وتطييبا لقلوبهم ثم ذكر الذنب بعد ذلك وأردفه بذكر التوبة مرة أخرى تعظيما لشأنهم وليعلموا أنه تعالى قد قبل توبتهم وعفا عنهم ثم أتبعه بقوله (إنه بهم رؤوف رحيم) تأكيدا لذلك أي رفيق بعباده لأنه لم يحملهم ما لا يطيقون من العبادات وبين الرؤف والرحيم فرق لطيف وإن تقاربا في المعنى قال الخطابي قد تكون الرحمة مع الكراهة ولا تكاد الرأفة تكون معها وقيل الرأفة عبارة عن السعي في إزالة الضرر والحرمة عبارة عن السعي في إيصال النفع هذه الآية هي الأولى من الآيات التي تلاها رسول الله والآية الثانية مع تفسيرها هكذا وعلى الثلاثة الذين خلفوا أي أخروا ولم تقبل توبتهم في الحال كما قبلت توبة أولئك المتخلفين المتقدم ذكرهم وهؤلاء الثلاثة هم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع أو ابن ربيعة العامري وهلال بن أمية الواقفي وكلهم من الأنصار لم يقبل النبي وآله وسلم توبتهم حتى نزل القرآن بأن الله قد تاب عليهم حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت كناية عن شدة التحير وعدم الاطمئنان يعني أنهم أخروا عن قبول التوبة إلى هذه الغاية وهي وقت أن ضاقت عليهم الأرض برحبها لاعراض الناس عنهم وعدم مكالمتهم من كل أحد لأن النبي نهى الناس أن يكالموهم وضاقت عليهم أنفسهم أي أنها ضاقت صدورهم بما نالهم من الوحشة وبما حصل لهم من الجفوة وشدة الغم والحزن وظنوا أي علموا وأيقنوا أن لا ملجأ من الله أي من عذابه أو من سخطه إلا إليه أي بالتوبة والاستغفار ثم تاب أي رجع عليهم بالقبول والرحمة وأنزل في القرآن التوبة عليهم ليستقيموا أو وفقهم للتوبة فيما يستقبل من الزمان إن فرطت منهم خطيئة ليتوبوا عنها ويرجعوا فيها إلى الله ويندموا على ما وقع منهم ويحصلوا التوبة وينشئوها فحصل التغاير وصح التعليل إن الله هو التواب أي الكثير القبول لتوبة التائبين الرحيم أي الكثير
(٤٠٤)