وقلت أما نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بناء على ظاهر الآية فقال عليه الصلاة والسلام لا تتركوا بل ائتمروا بالمعروف الخ (حتى إذا رأيت) أي أيها المخاطب خطابا عاما والمعنى إذا علمت الغالب على الناس (شحا مطاعا) أي بخلا مطاعا بأن أطاعته نفسك وطاوعه غيرك قاله القاري وفي النهاية هو أشد البخل وقيل البخل مع الحرص وقيل البخل في أفراد الأمور وآحادها والشح عام وقيل البخل بالمال والشح بالمال وبالمعروف (وهوى متبعا) بصيغة المفعول أي وهوى للنفس متبوعا وحاصله أن كلا يتبع هواه (ودنيا) بالقصر وهي عبارة عن المال والجاه في الدار الدنية (موثرة) أي مختارة على أمور الدين (وإعجاب كل ذي رأي برأيه) أي من غير نظر إلى الكتاب والسنة والإعجاب بكسر الهمزة هو وجدان الشئ حسنا ورؤيته مستحسنا بحيث يصير صاحبه به معجبا وعن قبول كلام الغير مجنبا وإن كان قبيحا في نفس الأمر (فعليك نفسك) منصوب وقيل مرفوع أي فالواجب أو فيجب عليك حفظها من المعاصي لكن يؤيد الأول وهو أن يكون للإغراء بمعنى الزم خاصة نفسك قوله (ودع العوام) أي اترك أمر عامة الناس الخارجين عن طريق الخواص (فإن من وراءكم أياما) أي قدامكم من الأزمان الآتية (الصبر فيهن مثل القبض على الجمر) يعني يلحقه المشقة بالصبر في تلك الأيام كمشقة الصابر على قبض الجمر بيده (يعملون مثل عملكم) وفي رواية أبي داود يعملون مثل عمله أي في غير زمانه (قال لا بل أجر خمسين رجلا منكم) قال في اللمعات يدل على فضل هؤلاء في الأجر على الصحابة من هذه الحيثية وقد جاء أمثال هذا أحاديث أخر وتوجيهه كما ذكروا أن الفضل الجزئي لا ينافي الفضل الكلي وقد تكلم ابن عبد البر في هذه المسألة وقال يمكن أن يجئ بعد الصحابة من هو في درجة بعض منهم أو أفضل ومختار العلماء خلافه انتهى وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام ليس هذا على إطلاقه بل هو مبني على قاعدتين أحديهما أن الأعمال تشرف بثمراتها والثانية أن الغريب في آخر الاسلام كالغريب في أوله
(٣٣٧)