فيحتمل أن يكون أنس حدث بها حينئذ فلم يسمعه سليمان أو حدث بها في مجلس آخر فحفظها عنه الرجل الذي حدث بها سليمان وهذا المبهم يحتمل ان يكون هو بكر بن عبد الله المزني فان روايته في آخر الباب تومئ إلى ذلك ويحتمل ان يكون قتادة فسيأتي بعد أبواب من طريقه عن أنس بلفظ وإنا نعدها يومئذ الخمر وهو من أقوى الحجج على أن الخمر اسم جنس لكل ما يسكر سواء كان من العنب أو من نقيع الزبيب أو التمر أو العسل أو غيرهما وأما دعوى بعضهم أن الخمر حقيقة في ماء العنب مجاز في غيره فإن سلم في اللغة لزم من قال به جواز استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه والكوفيون لا يقولون بذلك انتهى وأما من حيث الشرع فالخمر حقيقة في الجميع لثبوت حديث كل مسكر خمر فمن زعم أنه جمع بين الحقيقة والمجاز في هذا اللفظ لزم أن يجيزه وهذا ما لا انفكاك لهم عنه (قوله حدثني يوسف) هو ابن يزيد وهو أبو مشعر البراء بالتشديد وهو مشهور بكنيته أكثر من اسمه ويقال له أيضا القطان وشهرته بالبراء أكثر وكان يبرى السهام وهو بصرى وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر سيأتي في الطب وكلاهما في المتابعات وقد لينه ابن معين وأبو داود ووثقه المقدمي وسعيد بن عبيد الله بالتصغير اسم جده جبير بالجيم والموحدة مصغرا ابن حية بالمهملة وتشديد التحتانية وثقه أحمد وابن معين وقال الحاكم عن الدارقطني ليس بالقوي وما له أيضا في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في الجزية (قوله إن الخمر حرمت والخمر يومئذ البسر) هكذا رواه أبو معشر مختصرا وأخرجه الإسماعيلي من طريق روح بن عبادة عن سعيد بن عبيد الله بهذا السند مطولا ولفظه عن أنس نزل تحريم الخمر فدخلت على أناس من أصحابي وهى بين أيديهم فضربتها برجلي فقلت انطلقوا فقد نزل تحريم الخمر وشرابهم يومئذ البسر والتمر وهذا الفعل من أنس كأنه بعد أن خرج فسمع النداء بتحريم الخمر فرجع فأخبرهم ووقع عند ابن أبي عاصم من وجه آخر عن أنس فأراقوا الشراب وتوضأ بعض واغتسل بعض وأصابوا من طيب أم سليم وأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقرأ انما الخمر والميسر الآية واستدل بهذا الحديث على أن شرب الخمر كان مباحا لا إلى نهاية ثم حرمت وقيل كان المباح الشرب لا السكر المزيل للعقل وحكاه أبو نصر بن القشيري في تفسيره عن القفال ونازعه فيه وبالغ النووي في شرح مسلم فقال ما يقوله بعض من لا تحصيل عنده أن السكر لم يزل محرما باطل لا أصل له وقد قال الله تعالى لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون فإن مقتضاه وجود السكر حتى يصل إلى الحد المذكور ونهوا عن الصلاة في تلك الحالة لا في غيرها فدل على أن ذلك كان واقعا ويؤيده قصة حمزة والشارفين كما تقدم تقريره في مكانه وعلى هذا فهل كانت مباحة بالأصل أو بالشرع ثم نسخت فيه قولان للعلماء والراجح الأول واستدل به على أن المتخذ من غير العنب يسمى خمرا وسيأتي البحث في ذلك قريبا في باب ما جاء أن الخمر ما خامر العقل وعلى أن السكر المتخذ من غير العنب يحرم شرب قليله كما يحرم شرب القليل من المتخذ من العنب إذا أسكر كثيره لان الصحابة فهموا من الامر باجتناب الخمر تحريم ما يتخذ للسكر من جميع الأنواع ولم يستفصلوا وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين وخالف في ذلك الحنفية ومن قال بقولهم من الكوفيين فقالوا يحرم المتخذ من العنب قليلا كان أو كثيرا إلا إذا طبخ على تفصيل سيأتي بيانه في باب مفرد فإنه يحل وقد انعقد الاجماع
(٣٣)