فضربتها برجلي وقلت نزل تحريم الخمر فيحتمل أن يكون أنس خرج فاستخبر الرجل لكن أخرجه من وجه آخر أن الرجل قام على الباب فذكر لهم تحريمها ومن وجه آخر أتانا فلان من عند نبينا فقال قد حرمت الخمر قلنا ما تقول فقال سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم الساعة ومن عنده أتيتكم (قوله فقال أبو طلحة قم يا أنس فهرقها) بفتح الهاء وكسر الراء وسكون القاف والأصل أرقها فأبدلت الهمزة هاء وكذا قوله فهرقتها وقد تستعمل هذه الكلمة بالهمزة والهاء معا وهو نادر وقد تقدم بسطه في الطهارة ووقع في رواية ثابت عن أنس في التفسير بلفظ فأرقها ومن رواية عبد العزيز بن صهيب فقالوا أرق هذه القلال يا أنس وهو محمول على أن المخاطب له بذلك أبو طلحة ورضي الباقون بذلك فنسب الامر بالإراقة إليهم جميعا ووقع في الرواية الثانية في الباب أكفئها بكسر الفاء مهموز بمعنى أرقها وأصل الأكفاء الإمالة ووقع في باب إجازة خبر الواحد من رواية أخرى عن مالك في هذا الحديث قم إلى هذه الجرار فاكسرها قال أنس فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى انكسرت وهذا لا ينافي الروايات الأخرى بل يجمع بأنه أراقها وكسر أوانيها أو أراق بعضا وكسر بعضا وقد ذكر ابن عبد البر إن إسحق بن أبي طلحة تفرد عن أنس بذكر الكسر وأن ثابتا وعبد العزيز بن صهيب وحميدا وعد جماعة من الثقات رووا الحديث بتمامه عن أنس منهم من طوله ومنهم من اختصره فلم يذكروا إلا إراقتها والمهراس بكسر الميم وسكون الهاء وآخره مهملة إناء يتخذ من صخر وينقر وقد يكون كبيرا كالحوض وقد يكون صغيرا بحيث يتأتى الكسر به وكأنه لم يحضره ما يكسر به غيره أو كسر بآلة المهراس التي يدق بها فيه كالهاون فأطلق اسمه عليها مجازا ووقع في رواية حميد عن أنس عند أحمد فوالله ما قالوا حتى ننظر ونسأل وفي رواية عبد العزيز بن صهيب في التفسير فوالله ما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل ووقع في المظالم فجرت في سكك المدينة أي طرقها وفيه إشارة إلى توارد من كانت عنده من المسلمين على إراقتها حتى جرت في الأزقة من كثرتها قال القرطبي تمسك بهذه الزيادة بعد من قال أن الخمر المتخذة من غير العنب ليست نجسه لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عن التخلي في الطرق فلو كانت نجسة ما أقرهم على إراقتها في الطرقات حتى تجري والجواب ان القصد بالإراقة كان لإشاعة تحريمها فإذا اشتهر ذلك كان أبلغ فتحتمل أخف المفسدتين لحصول المصلحة العظيمة الحاصلة من الاشتهار ويحتمل أنها إنما أريقت في الطرق المنحدرة بحيث تنصب إلى الأسربة والحشوش أو الأودية فتستهلك فيها ويؤيده ما أخرجه ابن مردويه من حديث جابر بسند جيد في قصة صب الخمر قال فانصبت حتى استنقعت في بطن الوادي والتمسك بعموم الامر باجتنابها كاف في القول بنجاستها (قوله قلت لأنس) القائل هو سليمان التيمي والد معتمر وقوله قال أبو بكر بن أنس وكانت خمرهم زاد مسلم من هذا الوجه يومئذ وقوله فلم ينكر أنس زاد مسلم ذلك والمعنى أن أبا بكر بن أنس كان حاضرا عند أنس لما حدثهم فكأن أنسا حينئذ لم يحدثهم بهذه الزيادة إما نسيانا وإما إختصار فذكره بها ابنه أبو بكر فأقره عليها وقد ثبت تحديث أنس بها كما سأذكره (قوله وحدثني بعض أصحابي) القائل هو سليمان التيمي أيضا وهو موصول بالسند المذكور وقد أفرد مسلم هذه الطريق عن محمد بن الاعلى عن معتمر بن سليمان عن أبيه قال حدثني بعض من كان معي أنه سمع أنسا يقول كان خمرهم يومئذ
(٣٢)