المزر ثم قال أخبر قومك أن كل مسكر حرام وقد سأل أبو وهب الجساني عن شئ ما سأله أبو موسى فعند الشافعي وأبي داود من حديثه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المزر فأجاب بقوله كل مسكر حرام وهذه الرواية تفسير المراد بقوله في حديث الباب (1) كل شراب أسكر وأنه لم يرد تخصيص التحريم بحالة الاسكار بل المراد أنه إذا كانت فيه صلاحية الاسكار حرم تناوله ولو لم يسكر المتناول بالقدر الذي تناوله منه ويؤخذ من لفظ السؤال أنه وقع عن حكم جنس البتع لا عن القدر المسكر منه لأنه لو أراد السائل ذلك لقال أخبرني عما يحل منه وما يحرم وهذا هو المعهود من لسان العرب إذا سألوا عن الجنس قالوا هل هذا نافع أو ضار مثلا وإذا سألوا عن القدر قالوا كم يؤخذ منه وفي الحديث أن المفتي يجيب السائل بزيادة عما سأل عنه إذا كان ذلك مما يحتاج إليه السائل وفيه تحريم كل مسكر سواء كان متخذا من عصير العنب أو من غيره قال المازري أجمعوا على أن عصير العنب قبل أن يشتد حلال وعلى أنه إذا أشتد وغلى وقذف بالزبد حرم قليله وكثيره ثم لو حصل له تخلل بنفسه حل بالاجماع أيضا فوقع النظر في تبدل هذه الأحكام عند هذه المتخذات فأشعر ذلك بارتباط بعضها ببعض ودل على أن علة التحريم الاسكار فاقتضى ذلك أن كل شراب وجد فيه الاسكار حرم تناول قليله وكثيره انتهى وما ذكره استنباطا ثبت التصريح به في بعض طرق الخمر فعند أبي داود والنسائي وصححه ابن حبان من حديث جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسكر كثيره فقليله حرام وللنسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله وسنده إلى عمرو صحيح ولأبي داود من حديث عائشة مرفوعا كل مسكر حرام وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام ولابن حبان والطحاوي من حديث عامر ابن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيرة وقد اعترف الطحاوي بصحة هذه الأحاديث لكن قال اختلفوا في تأويل الحديث فقال بعضهم أراد به جنس ما يسكر وقال بعضهم أراد به ما يقع السكر عنده ويؤيده أن القاتل لا يسمى قاتلا حتى يقتل قال ويدل له حديث ابن عباس رفعه حرمت الخمر قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب (قلت) وهو حديث أخرجه النسائي ورجاله ثقات إلا أنه اختلف في وصله وانقطاعه وفي رفعه ووقفه وعلى تقدير صحته فقد رجح الإمام أحمد وغيره أن الرواية فيه بلفظ والمسكر بضم الميم وسكون السين لا السكر بضم ثم سكون أبو بفتحتين وعلى تقدير ثبوتها فهو حديث فرد ولفظه محتمل فكيف يعارض عموم تلك الأحاديث مع صحتها وكثرتها وجاء أيضا عن علي عند الدارقطني وعن ابن عمر عند ابن إسحاق والطبراني وعن خوات بن جبير عند الدارقطني والحاكم والطبراني وعن زيد بن ثابت عند الطبراني وفي أسانيدها مقال لكنها تزيد الأحاديث التي قبلها قوة وشهرة قال أبو المظفر بن السمعاني وكان حنفيا فتحول شافعيا ثبتت الاخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم المسكر ثم ساق كثيرا منها ثم قال والاخبار في ذلك كثيرة ولا مساغ لأحمد في العدول عنها والقول بخلافها فإنها حجج قواطع قال وقد زل الكوفيون في هذا الباب ورووا أخبارا معلولة لا تعارض هذه الأخبار بحال ومن ظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب مسكرا فقد دخل في أمر عظيم وباء بإثم كبير وإنما الذي شربه كان حلوا ولم يكن مسكرا وقد روى ثمامة بن حزن القشيري أنه سأل عائشة عن النبيذ فدعت جارية حبشية فقالت سل هذه
(٣٦)