على أن القليل من الخمر المتخذ من العنب يحرم قليله وكثيره وعلى أن العلة في تحريم قليله كونه يدعو إلى تناول كثيره فيلزم ذلك من فرق في الحكم بين المتخذ من العنب وبين المتخذ من غيرها فقال في المتخذ من العنب يحرم القليل منه والكثير إلا إذا طبخ كما سيأتي بيانه وفي المتخذ من غيرها لا يحرم منه إلا القدر الذي يسكر وما دونه لا يحرم ففرقوا بينهما بدعوى المغايرة في الاسم مع اتحاد العلة فيهما فإن كان ما قدر في المتخذ من العنب يقدر في المتخذ من غيرها قال القرطبي وهذا من أرفع أنواع القياس لمساواة الفرع فيه للأصل في جميع أوصافه مع موافقته فيه لظواهر النصوص الصحيحة والله أعلم قال الشافعي قال لي بعض الناس الخمر حرام والسكر من كل شراب حرام ولا يحرم المسكر منه حتى يسكر ولا يحد شاربها فقلت كيف خالفت ما جاء به عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عن عمر ثم عن علي ولم يقل أحد من الصحابة خلافه قال وروينا عن عمر (قلت) في سنده مجهول عنده فلا حجة فيه قال البيهقي أشار إلى رواية سعيد بن ذي لعوة أنه شرب من سطيحة لعمر فسكر فجلده عمر قال إنما شربت من سطيحتك قال أضربك على السكر وسعيد قال البخاري وغيره لا يعرف قال وقال بعضهم سعيد بن ذي حدان وهو غلط ثم ذكر البيهقي الأحاديث التي جاءت في كسر النبيذ بالماء منها حديث همام بن الحرث عن عمر أنه كان في سفر فأتى بنبيذ فشرب منه فقطب ثم قال أن نبيذ الطائف له عرام بضم المهملة وتخفيف الراء ثم دعا بماء فصبه عليه ثم شرب وسنده قوي وهو أصح شئ ورد في ذلك وليس نصا في إنه بلغ حد الاسكار فلو كان بلغ حد الاسكار لم يكن صب الماء عليه مزيلا لتحريمه وقد اعترف الطحاوي بذلك فقال لو كان بلغ التحريم لكان لا يحل ولو ذهبت شدته بصب الماء فثبت أنه قبل أن يصب عليه الماء كان غير حرام (قلت) وإذا لم يبلغ حد الاسكار فلا خلاف في إباحة شرب قليله وكثيره فدل على أن تقطيبه لأمر غير الاسكار قال البيهقي حمل هذه الأشربة على أنهم خشوا أن تتغير فتشتد فجوزوا صب الماء فيها ليمتنع الاشتداد أولى من حملها على أنها كانت بلغت حد الاسكار فكان صب الماء عليها لذلك لان مزجها بالماء لا يمنع إسكارها إذا كانت قد بلغت حد الاسكار ويحتمل أن يكون سبب صب الماء كون ذلك الشراب كان حمض ولهذا قطب عمر لما شربه فقد قال نافع والله ما قطب عمر وجهه لأجل الاسكار حين ذاقه ولكنه كان تخلل وعن عتبة بن فرقد قال كان النبيذ الذي شربه عمر قد تخلل (قلت) وهذا الثاني أخرجه النسائي بسند صحيح وروى الأثرم عن الأوزاعي وعن العمري أن عمر إنما كسره بالماء لشدة حلاوته (قلت) ويمكن الحمل على حالتين هذه لما لم يقطب حين ذاقه وأما عندما قطب فكان لحموضته واحتج الطحاوي لمذهبهم أيضا بما أخرجه من طريق النخعي عن علقمة عن ابن مسعود في قوله كل مسكر حرام قال هي الشربة التي تسكر وتعقب بأنه ضعيف لأنه تفرد به حجاج بن أرطاة عن حماد بن أبي سليمان عن النخعي وحجاج هو ضعيف ومدلس أيضا قال البيهقي ذكر هذا لعبد الله بن المبارك فقال هذا باطل وروى بسند له صحيح عن النخعي قال إذا سكر من شراب لم يحل له أن يعود فيه أبدا (قلت) وهذا أيضا عند النسائي بسند صحيح ثم روى النسائي عن ابن المبارك قال ما وجدت الرخصة فيه من وجه صحيح إلا عن النخعي من قوله وأخرج النسائي والأثرم من طريق خالد بن سعد عن أبي مسعود قال عطش النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف فأتى بنبيذ من السقاية فقطب فقيل
(٣٤)