إذا كانا مسكرين في الحال لا خلاف في النهي عنهما قال الكرماني فعلى هذا فليس هو خطأ بل يكون أطلق ذلك على سبيل المجاز وهو استعمال مشهور وأجاب ابن المنير بأن ذلك لا يرد على البخاري إما لأنه يرى جواز الخليطين قبل الاسكار وإما لأنه ترجم على ما يطابق الحديث الأول وهو حديث أنس فإنه لا شك أن الذي كان يسقيه القوم حينئذ كان مسكرا ولهذا دخل عندهم في عموم النهي عن الخمر حتى قال أنس وانا لنعدها يومئذ الخمر فدل على أنه كان مسكرا قال وأما قول وأن لا يجعل إدامين في إدام فيطابق حديث جابر وأبي قتادة ويكون النهي معللا بعلل مستقلة إما تحقيق إسكار الكثير وإما توقع الاسكار بالخلط سريعا وإما الاسراف والشره والتعليل بالاسراف مبين في حديث النهي عن قران التمر (قلت) والذي يظهر لي أن مراد البخاري بهذه الترجمة الرد على من أول النهي عن الخليطين بأحد تأويلين أحدهما حمل الخليط على المخلوط وهو أن يكون نبيذ تمر وحده مثلا قد أشتد ونبيذ زبيب وحده مثلا قد أشتد فيخلطان ليصيرا خلا فيكون النهي من أجل تعمد التخليل وهذا مطابق للترجمة من غير تكلف ثانيهما أن يكون علة النهي عن الخلط الاسراف فيكون كالنهي عن الجمع بين إدامين ويؤيد الثاني قوله في الترجمة وأن لا يجعل إدامين في إدام وقد حكى أبو بكر الأثرم عن قوم أنهم حملوا النهي عن الخليطين على الثاني وجعلوه نظير النهي عن القرآن بين التمر كما تقدم في الأطعمة قالوا فإذا ورد النهي عن القرآن بين التمرتين وهما من نوع واحد فكيف إذا وقع القرآن بين نوعين ولهذا عبر المصنف بقوله من رأى ولم يجزم بالحكم وقد نصر الطحاوي من حمل النهي عن الخليطين على منع السرف فقال كان ذلك لما كانوا فيه من ضيق العيش وساق حديث ابن عمر في النهي عن القرآن بين التمرتين وتعقب بأن ابن عمر أحد من روى النهي عن الخليطين وكان ينبذ البسر فإذا نظر إلى بسرة في بعضها ترطيب قطعه كراهة أن يقع في النهي وهذا على قاعدتهم يعتمد عليه لأنه لو فهم أن النهي عن الخليطين كالنهي عن القرآن لما خالفه فدل على أنه عنده على غيره ثم أورد المصنف حديث أنس الذي تقدم شرحه في أول الباب وفيه أنه سقاه خليط بسر وتمر فدل على أن المراد بالنهي عن الخليطين ما كانوا يصنعونه قبل ذلك من خلط البسر بالتمر ونحو ذلك لان ذلك عادة يقتضى إسراع الاسكار بخلاف المنفردين ولا يمكن حمل حديث أنس هذا في الخليطين على ما ادعاه صاحب التأويل الأول وحمل علة النهي لخوف الاسراع أظهر من حملها على الاسراف لأنه لا فرق بين نصف رطل من تمر ونصف رطل من بسر إذا خلطا مثلا وبين رطل من زبيب صرف بل هو أولى لقلة الزبيب عندهم إذ ذاك بالنسبة إلى التمر والرطب وقد وقع الاذن بأن ينبذ كل واحد على حدة ولم يفرق بين قليل وكثير فلو كانت العلة الاسراف لما أطلق ذلك وحكى الطحاوي في اختلاف العلماء عن الليث قال لا أرى بأسا أن يخلط نبيذ التمر ونبيذ الزبيب ثم يشربان جميعا وإنما جاء النهي أن ينبذا جميعا ثم يشربا لان أحدهما يشتد به صاحبه (قوله وقال عمرو بن الحرث حدثنا قتادة سمع أنسا) أراد بهذا التعليق بيان سماع قتادة لأنه وقع في الرواية التي ساقها قبل معنعنا وقد أخرجه مسلم من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحرث ولفظه نهى أن يخلط التمر والزهو ثم يشرب وأن ذلك كان عامة خمرهم يومئذ وهذا السياق أظهر في المراد الذي حملت عليه لفظ الترجمة والله أعلم وقوله في الاسناد الأول حدثنا مسلم وقع في رواية
(٥٩)