بسند حسن وليس في الآيتين دلالة على التحذير من الغضب إلا أنه لما ضم من يكظم غيظه إلى من يجتنب الفواحش كان في ذلك إشارة إلى المقصود (قوله ليس الشديد بالصرعة) بضم الصاد المهملة وفتح الراء الذي يصرع الناس كثيرا بقوته والهاء للمبالغة في الصفة والصرعة بسكون الراء بالعكس وهو من يصرعه غيره كثيرا وكل ما جاء بهذا الوزن بالضم وبالسكون فهو كذلك كهمزة ولمزة وحفظة وخدعة وضحكة ووقع بيان ذلك في حديث ابن مسعود عند مسلم وأوله ما تعدون الصرعة فيكم قالوا الذي لا يصرعه الرجال قال ابن التين ضبطناه بفتح الراء وقرأه بعضهم بسكونها وليس بشئ لأنه عكس المطلوب قال وضبط أيضا في بعض الكتب بفتح الصاد وليس بشئ (قوله إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) في رواية أحمد من حديث رجل لم يسمه شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الصرعة كل الصرعة كررها ثلاثا الذي يغضب فيشتد غضبه ويحمر وجهه فيصرع غضبه * الحديث الثاني حديث سليمان بن صرد تقدم شرحه في باب السباب واللعن * الحديث الثالث (قوله حدثني يحيى بن يوسف) هو الزمي بكسر الزاي وتشديد الميم لم أر له في البخاري رواية إلا عن أبي بكر بن عياش وأبو حصين بفتح أوله (قوله عن أبي صالح عن أبي هريرة) خالفه الأعمش فقال عن أبي صالح عن أبي سعيد أخرجه مسدد في مسنده عن عبد الواحد بن زياد عن الأعمش وهو على شرط البخاري أيضا لولا عنعنة الأعمش (قوله إن رجلا) هو جارية بالجيم بن قدامة أخرجه أحمد وابن حبان والطبراني من حديثه مبهما ومفسرا ويحتمل أن يفسر بغيره ففي الطبراني من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي قلت يا رسول الله قل لي قولا أنتفع به وأقلل قال لا تغضب ولك الجنة وفيه عن أبي الدرداء قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة قال لا تغضب وفي حديث ابن عمر عند أبي يعلى قلت يا رسول الله قل لي قولا وأقلل لعلي أعقله (قوله أوصني) في حديث أبي الدرداء دلني على عمل يدخلني الجنة وفي حديث ابن عمر عند أحمد ما يباعدني من غضب الله زاد أبو كريب عن أبي بكر بن عياش عند الترمذي ولا تكثر علي لعلي أعيه وعند الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش نحوه (قوله فردد مرارا) أي ردد السؤال يلتمس أنفع من ذلك أو أبلغ أو أعم فلم يزده على ذلك (قوله قال لا تغضب) في رواية أبي كريب كل ذلك يقول لا تغضب وفي رواية عثمان بن أبي شيبة قال لا تغضب ثلاث مرات وفيها بيان عدد المرار وقد تقدم حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان يعيد الكلمة ثلاثا لتفهم عنه وأنه كان لا يراجع بعد ثلاث وزاد أحمد وابن حبان في رواية عن رجل لم يسم قال تفكرت فيما قال فإذا الغضب يجمع الشر كله قال الخطابي معنى قوله لا تغضب اجتنب أسباب الغضب ولا تتعرض لما يجلبه وأما نفس الغضب فلا يتأتى النهي عنه لأنه أمر طبيعي لا يزول من الجبلة وقال غيره ما كان من قبيل الطبع الحيواني لا يمكن دفعه فلا يدخل في النهي لأنه من تكليف المحال وما كان من قبيل ما يكتسب بالرياضة فهو المراد وقيل معناه لا تغضب لان أعظم ما ينشأ عنه الغضب الكبر لكونه يقع عند مخالفة أمر يريده فيحمله الكبر على الغضب فالذي يتواضع حتى يذهب عنه عزة النفس يسلم من شر الغضب وقيل معناه لا تفعل ما يأمرك به الغضب وقال ابن بطال في الحديث الأول أن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الذي يملك نفسه عند الغضب أعظم الناس قوة وقال غيره لعل السائل
(٤٣١)