السلام اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه وأصل هذه الكلمة التي بالمهملة من الحاسة إحدى الحواس الخمس وبالجيم من الجس بمعنى اختبار الشئ باليد وهي إحدى الحواس فتكون التي بالحاء أعم وقال إبراهيم الحربي هما بمعنى واحد وقال ابن الأنباري ذكر الثاني للتأكيد كقولهم بعدا وسحقا وقيل بالجيم البحث عن عوراتهم وبالحاء استماع حديث القوم وهذا رواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير أحد صغار التابعين وقيل بالجيم البحث عن بواطن الأمور وأكثر ما يقال في الشر وبالحاء البحث عما يدرك بحاسة العين والاذن ورجح هذا القرطبي وقيل بالجيم تتبع الشخص لأجل غيره وبالحاء تتبعه لنفسه وهذا اختيار ثعلب ويستثنى من النهي عن التجسس ما لو تعين طريقا إلى انقاذ نفس من الهلاك مثلا كأن يخبر ثقة بأن فلانا خلا بشخص ليقتله ظلما أو بامرأة ليزني بها فيشرع في هذه الصورة التجسس والبحث عن ذلك حذرا من فوات استدراكه نقله النووي عن الأحكام السلطانية للماوردي واستجاده وأن كلامه ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يظهر من المحرمات ولو غلب على الظن استسرار أهلها بها إلا هذه الصورة (قوله ولا تحاسدوا) الحسد تمني الشخص زوال النعمة عن مستحق لها أعم من أن يسعى في ذلك أو لا فإن سعى كان باغيا وإن لم يسع في ذلك ولا أظهره ولا تسبب في تأكيد أسباب الكراهة التي نهى المسلم عنها في حق المسلم نظر فإن كان المانع له من ذلك العجز بحيث لو تمكن لفعل فهذا مأزور وإن كان المانع له من ذلك التقوى فقد يعذر لأنه لا يستطيع دفع الخواطر النفسانية فيكفيه في مجاهدتها أن لا يعمل بها ولا يعزم على العمل بها وقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية رفعه ثلاث لا يسلم منها أحد الطيرة والظن والحسد قيل فما المخرج منها يا رسول الله قال إذا تطيرت فلا ترجع وإذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ وعن الحسن البصري قال ما من آدمي إلا وفيه الحسد فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه منه شئ (قوله ولا تدابروا) قال الخطابي لا تتهاجروا فيهجر أحدكم أخاه مأخوذ من تولية الرجل الآخر دبره إذا أعرض عنه حين يراه وقال ابن عبد البر قيل للاعراض مدابرة لان من أبغض ومن اعرض ومن أعرض ولي دبره والمحب بالعكس وقيل معناه لا يستأثر أحدكم على الآخر وقيل للمستأثر مستدبر لأنه يولي دبره حين يستأثر بشئ دون الآخر وقال المازري معنى التدابر المعاداة يقول دابرته أي عاديته وحكى عياض أن معناه لا تجادلوا ولكن تعاونوا والأول أولى وقد فسره مالك في الموطأ بأخص منه فقال إذ ساق حديث الباب عن الزهري بهذا السند ولا أحسب التدابر إلا الاعراض عن السلام يدبر عنه بوجهه وكأنه أخذه من بقية الحديث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام فإنه يفهم أن صدور السلام منهما أو من أحدهما يرفع ذلك الاعراض وسيأتي مزيد لهذا في باب الهجرة ويؤيده ما أخرجه الحسين بن الحسن المروزي في زيادات كتاب البر والصلة لابن المبارك بسند صحيح عن أنس قال التدابر التصارم (قوله ولا تباغضوا) أي لا تتعاطوا أسباب البغض لان البغض لا يكتسب ابتداء وقيل المراد النهي عن الأهواء المضلة المقتضية للتباغض (قلت) بل هو لأعم من الأهواء لان تعاطي الأهواء ضرب من ذلك وحقيقة التباغض أن يقع بين اثنين وقد يطلق إذا كان من أحدهما والمذموم منه ما كان في غير الله تعالى فإنه واجب فيه ويثاب فاعله لتعظيم حق الله ولو كانا أو أحدهما عند الله من أهل
(٤٠٢)