على حقيقته ومجازه لان الصحابة لما بلغهم تحريم الخمر أراقوا كل ما كان يطلق عليه لفظ الخمر حقيقة ومجازا وإذا لم يجوزوا ذلك صح أن الكل خمر حقيقة ولا انفكاك عن ذلك وعلى تقدير ارخاء العنان والتسليم أن الخمر حقيقة في ماء العنب خاصة فإنما ذلك من حيث الحقيقة اللغوية فأما من حيث الحقيقة الشرعية فالكل خمر حقيقة لحديث كل مسكر خمر فكل ما أشتد كان خمرا وكل خمر يحرم قليله وكثيره وهذا يخالف قولهم وبالله التوفيق (قوله وثلاث) هي صفة موصوف أي أمور أو أحكام (قوله وددت) أي تمنيت وإنما تمنى ذلك لأنه أبعد من محذور الاجتهاد وهو الخطأ فيه فثبت على تقدير وقوعه ولو كان مأجورا عليه فإنه يفوته بذلك الاجر الثاني والعمل بالنص إصابة محضة (قوله لم يفارقنا حتى يعهد إلينا عهدا) في رواية مسلم عهدا ينتهي إليه وهذا يدل على أنه لم يكن عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم نص فيها ويشعر بأنه كان عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن الخمر ما لم يحتج معه إلى شئ غيره حتى خطب بذلك جازما به (قوله الجد والكلالة وأبواب من أبواب الربا) أما الجد فالمراد قدر ما يرث لان الصحابة اختلفوا في ذلك اختلافا كثيرا فسيأتي في كتاب الفرائض عن عمر أنه قضى فيه بقضايا مختلفة وأما الكلالة بفتح الكاف وتخفيف اللام فسيأتي بيانها أيضا في كتاب الفرائض وأما أبواب الربا فلعله يشير إلى ربا الفضل لان ربا النسيئة متفق عليه بين الصحابة وسياق عمر يدل على أنه كان عنده نص في بعض من أبواب الربا دون بعض فلهذا تمنى معرفة البقية (قوله قلت يا أبا عمرو) القائل هو أبو حيان التيمي وأبو عمرو هي كنية الشعبي (قوله فشئ يصنع بالسند من الأزر) زاد الإسماعيلي في روايته يقال له السادية يدعى الجاهل فيشرب منها شربة فتصرعه (قلت) وهذا الاسم لم يذكره صاحب النهاية لا في السين المهملة ولا في الشين المعجمة ولا رأيته في صحاح الجوهري وما عرفت ضبطه إلى الآن ولعله فارسي فإن كان عربيا فلعله الشاذبة بشين وذال معجمتين ثم موحدة قال في الصحاح الشاذب المتنحى عن وطنه فلعل الشاذبة تأنيثه وسميت الخمر بذلك لكونها إذا خالطت العقل تنحت به عن وطنه (قوله ذاك لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم) أي اتخاذ الخمر من الأرز لم يكن على العهد النبوي وفي رواية الإسماعيلي لم يكن هذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان لنهى عنه ألا ترى أنه قد عم الأشربة كلها فقال الخمر ما خامر العقل قال الإسماعيلي هذا الكلام الأخير فيه دلالة على أن قوله الخمر ما خامر العقل من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقال الخطابي إنما عد عمر الخمسة المذكورة لاشتهار أسمائها في زمانه ولم تكن كلها توجد بالمدينة الوجود العام فإن الحنطة كانت بها عزيزة وكذا العسل بل كان أعز فعد عمر ما عرف فيها وجعل ما في معناها مما يتخذ من الأزر وغيره خمرا إن كان مما يخامر العقل وفي ذلك دليل على جواز إحداث الاسم بالقياس وأخذه من طريق الاشتقاق كذا قال ورد ذلك ابن العربي في جواب من زعم أن قوله صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر معناه مثل الخمر لان حذف مثل ذلك مسموع شائع قال بل الأصل عدم التقدير ولا يصار إلى التقدير إلا إلى الحاجة فإن قيل احتجنا إليه لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث لبيان الأسماء قلنا بل بيان الأسماء من جملة الاحكام لمن لا يعلمها ولا سيما ليقطع تعلق القصد بها قال وأيضا لو لم يكن الفضيخ خمرا ونادى المنادي حرمت الخمر لم يبادروا إلى إراقتها ولم يفهموا أنها
(٤٣)