إلى أن تعلم السحر كفر فيكون العمل به كفرا وهذا كله واضح على ما قررته من العمل ببعض أنواعه وقد زعم بعضهم أن السحر لا يصح إلا بذلك وعلى هذا فتسمية ما عدا ذلك سحرا مجاز كإطلاق السحر على القول البليغ وقصة هاروت وماروت جاءت بسند حسن من حديث ابن عمر في مسند أحمد وأطنب الطبري في إيراد طرقها بحيث يقضي بمجموعها على أن للقصة أصلا خلافا لمن زعم بطلانها كعياض ومن تبعه ومحصلها أن الله ركب الشهوة في ملكين من الملائكة اختبارا لهما وأمرهما أن يحكما في الأرض فنزلا على صورة البشر وحكما بالعدل مدة ثم افتتنا بامرأة جميلة فعوقبا بسبب ذلك بأن حبسا في بئر ببابل منكسين وابتليا بالنطق بعلم السحر فصار يقصدهما من طلب ذلك ليتعلم منهما ذلك وهما قد عرفا ذلك فلا ينطقان بحضرة أحد حتى يحذراه وينهياه فإذا أصر تكلما بذلك فيتعلم منهما ما قص الله عنهما والله أعلم (قوله وقوله تعالى ولا يفلح الساحر حيث أتى) في الآية نفى الفلاح عن الساحر وليست فيه دلالة على كفر الساحر مطلقا وأن كثر في القرآن إثبات الفلاح للمؤمن ونفيه عن الكافر لكن ليس فيه ما ينفي نفي الفلاح عن الفاسق وكذا العاصي (قوله وقوله أفتأتون السحر وأنتم تبصرون) هذا يخاطب به كفار قريش يستبعدون كون محمد صلى الله عليه وسلم رسولا من الله لكونه بشرا من البشر فقال قائلهم منكرا على من اتبعه أفتأتون السحر أي أفتتبعونه حتى تصيروا كمن أتبع السحر وهو يعلم أنه سحر (قوله وقوله يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى) هذه الآية عمدة من زعم أن السحر إنما هو تخييل ولا حجة له بها لأن هذه وردت في قصة سحرة فرعون وكان سحرهم كذلك ولا يلزم منه أن جميع أنواع السحر تخييل قال أبو بكر الرازي في الاحكام أخبر الله تعالى أن الذي ظنه موسى من أنها تسعى لم يكن سعيا وإنما كان تخييلا وذلك أن عصيهم كانت مجوفة قد ملئت زئبقا وكذلك الحبال كانت من أدم محشوة زئبقا وقد حفروا قبل ذلك أسرابا وجعلوا لها آزاجا وملؤها نارا فلما طرحت على ذلك الموضع وحمى الزئبق حركها لان من شأن الزئبق إذا أصابته النار أن يطير فلما أثقلته كثافة الحبال والعصي صارت تتحرك بحركته فظن من رآها أنها تسعى ولم تكن تسعى حقيقة (قوله ومن شر النفاثات في العقد والنفاثات السواحر) هو تفسير الحسن البصري أخرجه الطبري بسند صحيح وذكره أبو عبيدة أيضا في المجاز قال النفاثات السواحر ينفثن وأخرج الطبري أيضا عن جماعة من الصحابة وغيرهم أنه النفث في الرقية وقد تقدم البحث في ذلك في باب الرقية وقد وقع في حديث ابن عباس فيما أخرجه البيهقي في الدلائل بسند ضعيف في آخر قصة السحر الذي سحر به النبي صلى الله عليه وسلم أنهم وجدوا وترا فيه إحدى عشرة عقدة وأنزلت سورة الفلق والناس وجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة وأخرجه ابن سعد بسند آخر منقطع عن ابن عباس أن عليا وعمارا لما بعثهما النبي صلى الله عليه وسلم لاستخراج السحر وجدا طلعة فيها إحدى عشرة عقدة فذكر نحوه (قوله تسحرون تعمون) بضم أوله وفتح المهملة وتشديد الميم المفتوحة وضبط أيضا بسكون العين قال أبو عبيدة في كتاب المجاز في قوله تعالى سيقولون الله قل فأنى تسحرون أي كيف تعمون عن هذا وتصدون عنه قال ونراه من قوله سحرت أعيننا عنه فلم نبصره وأخرج في قوله فأنى تسحرون أي تخدعون أو تصرفون عن التوحيد والطاعة (قلت) وفي هذه الآية إشارة إلى الصنف الأول من السحر الذي قدمته وقال
(١٩١)