من كان قبلنا الحديث قال ابن بطال ليس المراد أن يوم الجمعة فرض عليهم بعينه فتركوه لأنه لا يجوز لأحد أن يترك ما فرض الله عليه وهو مؤمن وإنما يدل والله أعلم أنه فرض عليهم يوم من الجمعة وكل إلى اختيارهم ليقيموا فيه شريعتهم فاختلفوا في أي الإيام هو ولم يهتدوا ليوم الجمعة ومال عياض إلى هذا ورشحه بأنه لو كان فرض عليهم بعينه لقيل فخالفوا بدل فاختلفوا وقال النووي يمكن أن الريح أمروا به صريحا فاختلفوا هل يلزم تعينه أم يسوغ إبداله بيوم آخر فاجتهدوا في ذلك فأخطأوا انتهى ويشهد له ما رواه الطبري بإسناد صحيح عن مجاهد في قوله تعالى إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه قال أرادوا الجمعة فأخطأوا وأخذوا السبت مكانه ويحتمل أن يراد بالاختلاف اختلاف اليهود والنصارى في ذلك وقد روى ابن أبي حاتم من طريق أسباط بن نصر عن السدي التصريح بأنهم فرض عليهم يوم الجمعة بعينه فأبوا ولفظه إن الله فرض على اليهود الجمعة فأبوا وقالوا يا موسى إن الله لم يخلق يوم السبت شيئا فاجعله لنا فجعل عليهم وليس ذلك بعجيب من مخالفتهم كما وقع لهم في قوله تعالى ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة وغير ذلك وكيف لا وهم القائلون سمعنا وعصينا (قوله فهدانا الله له) يحتمل أن يراد بأن نص لنا عليه وأن يراد الهداية إليه بالاجتهاد ويشهد للثاني ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين قال جمع أهل المدينة قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل أن تنزل الجمعة فقالت الأنصار إن لليهود يوما يجتمعون فيه كل سبعة أيام وللنصارى كذلك فهلم فلنجعل يوما نجتمع فيه فنذكر الله تعالى ونصلي ونشكره فجعلوه يوم العروبة واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ وأنزل الله تعالى بعد ذلك إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة الآية وهذا وإن كان مرسلا فله شاهد بإسناد حسن أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة وصححه ابن خزيمة وغير واحد من حديث كعب بن مالك قال كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسعد بن زرارة الحديث فمرسل ابن سيرين بل على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة بالاجتهاد ولا يمنع ذلك أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علمه بالوحي وهو بمكة فلم يتمكن من إقامتها ثم فقد ورد فيه حديث عن ابن عباس عند الدارقطني ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة كما حكاه ابن إسحاق وغيره وعلى هذا فقد حصلت الهداية للجمعة بجهتي البيان والتوفيق وقيل في الحكمة في اختيارهم الجمعة وقوع خلق آدم فيه والإنسان إنما خلق للعبادة فناسب أن يشتغل بالعبادة فيه ولأن الله تعالى أكمل فيه الموجودات وأوجد فيه الإنسان الذي ينتفع بها فناسب أن يشكر على ذلك بالعبادة فيه (قوله الود غدا والنصارى بعد غد) في رواية أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عند ابن خزيمة فهو لنا ولليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد والمعنى أنه لنا بهداية الله تعالى ولهم باعتبار اختيارهم خطئهم في اجتهادهم قال القرطبي غدا هنا منصوب على الظرف وهو متعلق بمحذوف وتقديره اليهود يعظمون غدا وكذا قوله بعد غد ولا بد من هذا التقدير لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجنة انتهى وقال ابن مالك الأصل أن يكون الخبر عنه بظرف الزمان من أسماء المعاني كقولك غدا للتأهب وبعد غد للرحيل فيقدر هنا مضافان يكون ظرفا الزمان خبرين عنهما أي تعبيد اليهود غدا وتعييد النصارى بعد غد أه وسبقه إلى نحو ذلك عياض وهو أوجه من كلام القرطبي وفي الحديث دليل على فرضية الجمعة كما قال
(٢٩٤)