والترجيع فكان يلزمهم القول به وقد أنكر أحمد على من ادعى النسخ بحديث أبي محذورة واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع بعد الفتح إلى المدينة وأقر بلالا على إفراد الإقامة وعلمه سعد القرظ فأذن به بعده كما رواه الدارقطني والحاكم وقال ابن عبد البر ذهب أحمد وإسحق وداود وابن جرير إلى أن ذلك من الاختلاف المباح فإن ربع التكبير الأول في الأذان أو ثناه أو رجع في التشهد أو لم يرجع أو ثنى الإقامة أو أفردها كلها أو إلا قد قامت الصلاة فالجميع جائز وعن ابن خزيمة إن ربع الأذان ورجع فيه ثنى الإقامة وإلا أفردها وقيل لم يقل بهذا التفصيل أحد قبله والله أعلم * (فائدة) * قيل الحكمة في تثنية الأذان وإفراد الإقامة أن الأذان لإعلام الغائبين فيكرر ليكون أوصل إليهم بخلاف الإقامة فإنها للحاضرين ومن ثم استحب أن يكون الأذان في مكان عال بخلاف الإقامة وأن يكون الصوت في الأذان أرفع منه في الإقامة وأن يكون الأذان مرتلا والإقامة مسرعة وكرر قد قامت الصلاة لأنها المقصودة من الإقامة بالذات (قلت) توجيهه ظاهر وأما قول الخطابي لو سوى بينهما ورؤساء هم الأمر عند ذلك وصار لأن يفوت كثيرا من الناس صلاة الجماعة ففيه نظر لأن الأذان يستحب أن يكون على مكان عال لتشترك الاسماع كما تقدم وقد تقدم الكلام على تثنية التكبير وتؤخذ حكمة الترجيع مما تقدم وإنما اختص بالتشهد لأنه أعظم ألفاظ الأذان والله أعلم (قوله باب فضل التأذين) راعي المصنف لفظ التأذين لوروده في حديث الباب وقال الزين بن المنير التأذين يتناول جميع ما يصدر عن المؤذن من قول وفعل وهيئة وحقيقة الأذان تعقل بدون ذلك كذا قال والظاهر أن التأذين هنا أطلق بمعنى الأذان لقوله في الحديث حتى لا يسمع التأذين وفي رواية لمسلم حتى لا يسمع صوته فالتقييد بالسماع لا يدل على فعل ولا على هيئة مع أن ذلك هو الأصل في المصدر (قوله إذا نودي الصلاة) وللنسائي عن قتيبة عن مالك بالصلاة وهي رواية لمسلم أيضا ويمكن حملها على معنى واحد (قوله له ضراط) جملة اسمية وقعت حالا بدون واو لحصول الارتباط بالضمير وفي رواية الأصيلي وله ضراط وهي للمصنف من وجه آخر فبدء الخلق قال عياض يمكن حمله على ظاهره لأنه جسم متغذ يصح منه خروج الريح ويحتمل أنها عبارة عن شدة نفاره ويقويه رواية لمسلم له حصاص بمهملات مضموم الأول فقد فسره الأصمعي وغيره بشدة العدو قال الطيبي العطار شغل الشيطان نفسه عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره ثم سماه ضراطا تقبيحا له * (تنبيه) * الظاهر أن المراد بالشيطان إبليس وعليه يدل كلام كثير من الشراح كما سيأتي ويحتمل أن المراد جنس الشيطان وهو كل متمرد من الجن والإنس لكن المراد هنا شيطان الجن خاصة (قوله حتى لا يسمع التأذين) ظاهره أنه يتعمد إخراج ذلك إما ليشتغل بسماع الصوت الذي يخرجه عن سماع المؤذن أو يصنع ذلك استخفافا كما بالصلاة السفهاء ويحتمل أن لا يتعمد ذلك بل يحصل له عند سماع الأذان شدة خوف يحدث له ذلك الصوت بسببها ويحتمل أن يتعمد ذلك ليقابل ما يناسب الصلاة من الطهارة بالحدث واستدل به على استحباب رفع الصوت بالأذان لأن قوله حتى لا يسمع ظاهر في أنه يبعد إلى غاية ينتفى فيها سماعه للصوت وقد وقع بيان الغاية في رواية لمسلم من حديث جابر فقال حتى يكون مكان الروحاء وحكى الأعمش عن أبي سفيان راويه عن جابر أن بين المدنية والروحاء ستة وثلاثين
(٦٩)