لما دلت الا على نفى اشتراط الغسل لا على الوجوب المجرد كما تقدم وأما ما أشار إليه ابن دقيق العيد من أن بعضهم أوله بتأويل مستكره فقد نقله ابن دحية عن القدوري من الحنفية وأنه قال قوله واجب أي ساقط وقوله على بمعنى عن فيكون المعنى أنه غير لازم ولا يخفى ما فيه من التكلف وقال الزين بن المنير أصل الوجوب في اللغة السقوط فلما كان في الخطاب على المكلف غث ثقيل كان كل ما أكد طلبه منه يسمى واجبا كأنه سقط عليه وهو أعم من كونه فرضا أو ندبا وهذا سبقه ابن بزيزة إليه ثم تعقبه بان اللفظ الشرعي خاص بمقتضاه شرعا لا وضعا وكأن الزين استشعر هذا الجواب فزاد أن تخصيص الواجب بالفرض اصطلاح حادث وأجيب بان وجب في اللغة لم ينحصر في السقوط بل ورد بمعنى مات وبمعنى اضطرب وبمعنى لزم وغير ذلك والذي يتبادر إلى الفهم منها في الأحاديث أنها بمعنى لزم لا سيما إذا سيقت لبيان الحكم وقد تقدم في بعض طرق حديث ابن عمر الجمعة واجبة على كل محتلم وهو بمعنى اللزوم قطعا ويؤيده أن في بعض طرق حديث الباب واجب كغسل الجنابة أخرجه ابن حيان من طريق أخرجه الدراوردي عن صفوان بن سليم وظاهره اللزوم وأجاب عنه بعض القائلين بالندبية بان التشبيه في الكيفية لا في الحكم وقال ابن الجوزي يحتمل أتكون لفظه الوجوب اني من بعض الرواة أو ثابتة ونسخ الوجوب ورد بان الطعن في الروايات الثابتة بالظن الذي لا مستند له لا يقبل والنسخ لا يصار إليه الا بدليل ومجموع الأحاديث يدل على استمرار الحكم فإن في حديث عائشة أن ذلك كان في أول الحال حيث كانوا مجهودين وأبو هريرة وابن عباس إنما صحبا النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن حصل التوسع بالنسبة إلى ما كانوا فيه أولا ومع ذلك فقد سمع كل منهما منه صلى الله عليه وسلم الأمر بالغسل والحث عليه والترغيب فيه فكيف يدعي النسخ بعد ذلك (فائدة) حكى ابن العربي وغيره أن بعض أصحابهم قالوا يجزئ عن الاغتسال للجمعة التطيب لأن المقصود النظافة وقال بعضهم لا يشترط له الماء المطلق بل يجزئ بماء الورد ونحوه وقد عاب ابن العربي ذلك وقال هؤلاء وقفوا مع المعنى وأغفلوا المحافظة على التعبد بالمعين والجمع بين التعبد والمعين أولى انتهى وعكس ذلك قول بعض الشافعية بالتيمم فإنه تعبد دون نظر إلى المعنى وأما الاكتفاء بغير الماء المطلق فمردود لأنها عبادة لثبوت الترغيب فيها فيحتاج إلى النية ولو كان لمحض النظافة لم تكن كذلك والله أعلم (قوله باب الطيب للجمعة) لم يذكر حكمة أيضا لوقوع الاحتمال فيه كما سبق (قوله حدثنا علي بن عبد الله بن جعفر) كذا في رواية ابن عساكر وهو ابن المديني واقتصر الباقون على حدثنا على (قوله قال أشهد على أبي سعد) ظاهر في أنه سمعه منه قال ابن التين أراد بهذا اللفظ التأكيد للرواية انتهى وقد أدخل بعضهم بين عمرو بن سليم القائل أشهد وبين أبي سعيد رجلا كما سيأتي (قوله وأن يستن) أي يدلك أسنانه بالسواك (قوله وأن يمس) بفتح الميم على الأفصح (قوله أن وجد) متعلق بالطيب أي إن وجد الطيب مسه ويحتمل تعلقه بما قبله أيضا وفي رواية مسلم ويمس من الطيب ما يقدر عليه وفي رواية ولو من طيب المرأة قال عياض يحتمل قوله ما يقدر عليه إرادة التأكيد ليفعل ما أمكنه ويحتمل إرادة الكثرة والأول أظهر ويؤيده قوله ولو من طيب المرأة لأنه يكره استعماله للرجل وهو ما ظهر لونه وخفي ريحه فأباحته للرجل لأجل عدم غيره يدل على تأكد الأمر في ذلك ويؤخذ من اقتصاره على المس الأخذ
(٣٠٢)