اختصت العصر بذلك وأما الجمهور فتأولوا الحديث فافترقوا في تأويله فرقا فمنهم من أول سبب الترك ومنهم من أول الحبط ومنهم من أول العمل فقيل المراد من تركها جاحدا لوجوبها أو معترفا لكن مستخفا مستهزئا بمن أقامها وتعقب بأن الذي فهمه الصحابي إنما هو التفريط ولهذا أمر بالمبادرة إليها وفهمه أولى من فهم غيره كما تقدم وقيل المراد من تركها متكاسلا لكن خرج الوعيد مخرج الزجر الشديد وظاهره غير مراد كقوله لا يزني الزاني وهو مؤمن وقيل هو من مجاز التشبيه كأن المعنى فقد أشبه من حبط عمله وقيل معناه كاد أن يحبط وقيل المراد بالحبط نقصان العمل في ذلك الوقت الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله فكأن المراد بالعمل الصلاة خاصة أي لا يحصل على أجر من صلى العصر ولا يرتفع له عملها حينئذ وقيل المراد بالحبط الإبطال أي يبطل انتفاعه بعمله في وقت ما ثم ينتفع به كمن رجحت سيئاته على حسناته فإنه موقوف في المشيئة فإن غفر فمجرد الوقوف إبطال لنفع الحسنة إذ ذاك وإن عذب ثم غفر له فكذلك قال معنى ذلك القاضي أبو بكر بن العربي وقد تقدم مبسوطا في كتاب الإيمان في باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله ومحصل ما قال أن المراد بالحبط في الآية غير المراد بالحبط في الحديث وقال في شرح الترمذي الحبط على قسمين حبط إسقاط وهو إحباط الكفر للإيمان وجميع الحسنات وحبط موازنة وهو إحباط المعاصي للانتفاع بالحسنات عند رجحانها عليها إلى أن تحصل النجاة فيرجع إليه جزاء حسناته وقيل المراد بالعمل في الحديث عمل الدنيا الذي يسبب الاشتغال به ترك الصلاة بمعنى أنه لا ينتفع به ولا يتمتع وأقرب هذه التأويلات قول من قال إن ذلك خرج مخرج الزجر الشديد وظاهره غير مراد والله أعلم (قوله باب فضل صلاة العصر) أي على جميع الصلوات إلا الصبح وإنما حملته على ذلك لأن حديثي الباب لا يظهر منهما رجحان العصر عليها ويحتمل أن يكون المراد أن العصر ذات فضيلة لا ذات أفضلية (قوله حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم ووقع عند ابن مردويه من طريق شعبة عن إسماعيل التصريح بسماع إسماعيل من قيس وسماع قيس من جرير (قوله فنظر إلى القمر ليلة) زاد مسلم ليلة البدر وكذا للمصنف من وجه آخر وهو خال من العنعنة أيضا كما سيأتي في باب فضل صلاة الفجر (قوله لا تضامون) بضم أوله مخففا أي لا يحصل لكم ضيم حينئذ وروى بفتح أوله والتشديد من الضم والمراد نفى الازدحام وسيأتي بسط ذلك في كتاب التوحيد (قوله فإن استطعتم أن لا تغلبوا) فيه إشارة إلى قطع أسباب الغلبة المنافية للاستطاعة كالنوم والشغل ومقاومة ذلك بالاستعداد له وقوله فافعلوا أي عدم الغلبة وهو كناية عما ذكر من الاستعداد ووقع في رواية شعبة المذكورة فلا تغفلوا عن صلاة الحديث (قوله قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) زاد مسلم يعني العصر والفجر ولابن مردويه من وجه آخر عن إسماعيل قبل طلوع الشمس صلاة الصبح وقبل غروبها صلاة العصر وقال ابن بطال قال المهلب قوله فإن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة أي في الجماعة قال وخص هذين الوقتين لاجتماع الملائكة فيهما ورفعهم أعمال العباد لئلا يفوتهم هذا الفضل العظيم (قلت) وعرف بهذا مناسبة إيراد حديث يتعاقبون عقب هذا الحديث لكن لم يظهر لي وجه تقييد ذلك بكونه في جماعة وأن كان فضل الجماعة معلوما من أحاديث أخر بل ظاهر الحديث يتناول
(٢٧)