رواية عاصم التي قدمت الإشارة إليها وغيرها صريح في أن العباس لم يكن في مرة ولا في مرتين منها والله أعلم وفي هذه القصة من الفوائد غير ما مضى تقديم أبي بكر وترجيحه على جميع الصحابة وفضيلة عمر بعده وجواز الثناء في الوجه لمن أمن عليه الإعجاب وملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه وخصوصا لعائشة وجواز مراجعة الصغير الكبير والمشاورة في الأمر العام والأدب مع الكبير لهم أبي بكر بالتأخر عن الصف واكرام الفاضل لأنه أراد أن يتأخر حتى يستوي مع الصف فلم يتركه النبي صلى الله عليه وسلم يتزحزح عن مقامه وفيه أن البكاء ولو كثر لا يبطل الصلاة لأنه صلى الله عليه وسلم بعد أن علم حال أبي بكر في رقة القلب وكثرة البكاء لم يعدل عنه ولا نهاه عن البكاء وأن الإيماء يقوم مقام النطق واقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على الإشارة يحتمل أن يكون لضعف صوته ويحتمل أن يكون للاعلام بأن مخاطبة من يكون في الصلاة بالإيماء أولى من النطق وفيه تأكيد أمر الجماعة والأخذ فيها بالأشد وإن كان المرض يرخص في تركها ويحتمل أن يكون فعل ذلك لبيان جواز الأخذ بالأشد وإن كانت الرخصة أولى وقال الطبري إنما فعل ذلك لئلا يعذر أحد من الأئمة بعده نفسه بأدنى عذر فيتخلف عن الإمامة ويحتمل أن يكون قصد إفهام الناس أن تقديمه لأبي بكر كان لأهليته لذلك حتى إنه صلى خلفه واستدل به على جواز استخلاف الإمام لغير ضرورة لصنيع أبي بكر وعلى جواز مخالفة موقف المأموم للضرورة كمن قصد أن يبلغ عنه ويلتحق به من زحم عن الصف وعلى جواز ائتمام بعض المأمومين ببعض وهو قول الشعبي واختيار الطبري وأومأ إليه البخاري كما سيأتي وتعقب بأن أبا بكر إنما كان مبلغا كما سيأتي في باب من أسمع الناس التكبير من رواية أخرى عن الأعمش وكذا ذكره مسلم على هذا فمعنى الاقتداء اقتداؤهم بصوته ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم كان جالسا وكان أبو بكر قائما فكان بعض أفعاله يخفى على بعض المأمومين فمن ثم كان أبو بكر كالإمام في حقهم والله أعلم وفيه أتباع صوت المكبر وصحة صلاة المستمع والسامع ومنهم من شرط في صحته تقدم إذن الإمام واستدل به الطبري على أن للأمام أن يقطع الاقتداء به ويقتدي هو بغيره من غير أن يقطع الصلاة وعلى جواز إنشاء القدوة في أثناء الصلاة وعلى جواز تقدم إحرام المأموم على الإمام بناء على أن أبا بكر كان دخل في الصلاة ثم قطع القدوة وائتم برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قدمنا أنه ظاهر الرواية ويؤيد أيضا أن في رواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس فابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم القراءة من حيث انتهى أبو بكر واستدل به على صحة صلاة القادر على القيام قائما خلف القاعد خلافا للمالكية مطلقا ولأحمد حيث أوجب القعود على من يصلي خلف القاعد كما سيأتي الكلام عليه في باب إنما جعل الإمام ليؤتم به إن شاء الله تعالى (قوله باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله) ذكر العلة من عطف العام على الخاص لأنها أعم من أن تكون بالمطر أو غيره والصلاة في الرحل أعم من أن تكون بجماعة أو منفردا لكنها مظنة الانفراد والمقصود الأصلي في الجماعة إيقاعها في المسجد وقد تقدم الكلام على حديث ابن عمر في كتاب الأذان وعلى حديث عتبان في باب المساجد في البيوت وسياقه هناك أتم وإسماعيل شيخه هنا هو ابن أبي أويس (قوله باب هل يصلي الإمام بمن حضر)
(١٣٢)