ما رأيت كاليوم قط إماما يؤم المسلمين يخطب وهو جالس يقول ذلك مرتين وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما وأبو بكر وعمر وعثمان وأول من جلس على المنبر معاوية وبمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على القيام وبمشروعية الجلوس بين الخطبتين فلو كان القعود مشروعا في الخطبتين ما احتيج إلى الفصل بالجلوس ولأن الذي نقل عنه القعود كان معذورا فعند ابن أبي شيبة من طريق الشعبي أن معاوية إنما خطب قاعدا لما كثر شحم بطنه ولحمه وأما من احتج بأنه لو كان شرطا ما صلى من أنكر ذلك مع القاعد فجوابه أنه محمول على أن من صنع ذلك خشي الفتنة أو أن الذي قعد قعد باجتهاد كما قالوا في إتمام عثمان الصلاة في السفر وقد أنكر ذلك بن مسعود ثم إنه صلى خلفه فأتم معه واعتذر بأن الخلاف شر (قوله وقال أنس إلى آخره) هو طرف من حديث الاستسقاء أيضا وسيأتي في بابه ثم أورد في الباب حديث ابن عمر وقد ترجم له بعد بابين القعدة بين الخطبتين وسيأتي الكلام عليه ثم وفي الباب حديث جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائما فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب أخرجه مسلم وهو أصرح في المواظبة من حديث ابن عمر إلا أن إسناده ليس على شرط البخاري وروى ابن أبي شيبة من طريق طاوس قال أول من خطب قاعدا معاوية حين كثر شحم بطنه وهذا مرسل يعضده ما روى سعيد بن منصور عن الحسن قال أول من استراح في الخطبة يوم الجمعة عثمان وكان إذا أعي جلس ولم يتكلم حتى يقوم وأول من خطب جالسا معاوية وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يخطبون يوم الجمعة قياما حتى شق على عثمان القيام فكان يخطب قائما ثم يجلس فلما كان معاوية خطب الأولى جالسا والأخرى قائما ولا حجة في ذلك لمن أجاز الخطبة قاعدا لأنه تبين أن ذلك للضرورة (قوله باب استقبال الناس الإمام إذا خطب) زاد في رواية كريمة في أول الترجمة يستقبل الإمام القوم ولم يبت الحكم وهو مستحب عند الجمهور وفي وجه يجب جزم به أبو الطيب الطبري من الشافعية فإن فعل أجزأ وقيل لا ذكره الشاشي ونقل في شرح المهذب أن الالتفات يمينا وشمالا مكروه اتفاقا إلا ما حكى عن بعض الحنفية فقال أكثرهم لا يصح ومن السري الاستقبال استدبار الإمام القبلة واغتفر لئلا يصير مستدبر القوم الذين يعظهم ومن حكمة استقبالهم للأمام التهيؤ لسماع كلامه وسلوك الأدب معه في استماع كلامه فإذا استقبله بوجهه وأقبل عليه بجسده وبقلبه وحضور ذهنه كان أدعى لتفهم موعظته وموافقته فيما شرع له القيام لأجله (قوله واستقبل ابن عمرو أنس الإمام) أما ابن عمر فرواه البيهقي من طريق الوليد بن مسلم قال ذكرت لليث بن سعد فأخبرني عن ابن عجلان أنه أخبره عن نافع أن ابن عمر كان يفرغ من سبحته يوم الجمعة قبل خروج الإمام فإذا خرج لم يقعد الإمام حتى يستقبله وأما أنس فرويناه في نسخة نعيم بن حماد بإسناد صحيح عنه أنه كان إذا أخذ الإمام في الخطبة يوم الجمعة يستقبله بوجهه حتى يفرغ من الخطبة ورواه ابن المنذر من وجه آخر عن أنس أنه جاء يوم الجمعة فاستند إلى الحائط واستقبل الإمام قال ابن المنذر لا أعلم في ذلك خلافا بين العلماء وحكى غيره عن سعيد بن المسيب والحسن شيئا محتملا وقال الترمذي لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شئ يعني صريحا وقد استنبط المصنف من
(٣٣٣)