يا من تمتع بالدنيا وزينتها * ولا تنام عن اللذات عيناه شغلت نفسك فيما ليس تدركه * تقول لله ماذا حين تلقاه قال الرشيد لبهلول: أتحب أن تكون خليفة؟ قال: لا وذلك اني رأيت موت ثلاث خلفاء ولم ير الخليفة موت بهلولين وفي الأثر أن رجلا من علماء المخالفين قال يوما لبهلول: إنه ورد في الحديث الصحيح أن يوم القيامة توضع أعمال الأول والثاني في كفة الميزان، وأعمال سائر الخلائق في كفة أخرى فترجح أعمال الشيخين على أعمال الخلائق فقال بهلول: إن كان هذا الحديث صحيحا فالعيب في الميزان.
وفي بعض الكتب أن بهلول أتى إلى المسجد يوما وأبو حنيفة يقرر للناس علومه فقال في جملة كلامه: أن جعفر بن محمد تكلم في مسائل ما يعجبني كلامه فيها الأولى يقول:
إن الله سبحانه موجود لكنه لا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهل يكون موجود لا يرى؟ ما هذه إلا تناقض.. الثانية إنه قال: إن الشيطان يعذب في النار مع أن الشيطان خلق من النار فكيف يعذب الشئ بما خلق منه؟ الثالثة إنه يقول: ان أفعال العباد مستندة إليهم مع أن الآيات دالة على أنه تعالى فاعل كل شئ. فلما سمعه بهلول أخذ مداة وضرب بها رأسه وشجه، وصار الدم يسيل على وجهه ولحيته، فبادر إلى الخليفة يشكو من بهلول، فلما أحضر بهلول وسئل عن السبب قال للخليفة: إن هذا الرجل غلط جعفر ابن محمد (ع) في ثلاث مسائل: الأولى أن أبا حنيفة يزعم أن الافعال كلها لا فاعل لها إلا الله فهذه الشجة من الله تعالى وما تقصيري؟ الثانية انه يقول: كل شئ موجود لا بد أن يرى فهذا الوجع في رأسه موجود مع أنه لا يرى أحد. الثالثة انه مخلوق من التراب وهذه المداة من التراب وهو يقول: إن الجنس لا يتعذب بجنسه فكيف يتألم من هذه المداة؟
فأعجب الخليفة كلامه وتخلص من شجة أبي حنيفة.
ولما انصرف الرشيد من الحج لقيه بهلول في الطريق فناداه ثلاثا بأعلى صوته:
يا هارون، يا هارون. فقال: من هذا؟ قيل. بهلول المجنون. فقال الرشيد. من أنا؟
قال أنت الذي لو ظلم أحد في المشرق وأنت في المغرب سألك الله عن ذلك يوم القيامة فبكى الرشيد. وقال. هل لك من حاجة؟ قال. نعم أن تغفر لي ذنوبي وتدخلني الجنة.
فقال الرشيد. ليس هذا بيدي ولكن أقضي دينك. قال. الدين لا يقضى بالدين إذ أموال الناس إليهم. قال. نأمر لك برزق يأتي إليك إلى أن تموت. قال. نحن عبدان لله