وغيظا وحنقا عليهم ثم ركب حتى دخل الشام فذلت له صعابهم، وخضعت لديه رقابهم وانقاد له كبيرهم وصغيرهم، فلما دخلوا عليه وعاينوا منه سوء الخلق، وظهر لهم منه امارة العداوة والبغضاء، أرادوا أن يتقربوا إليه بما يزيل ذلك عنهم فتقدم رئيسهم فقال:
يا أمير نريد أن نزوجك ابنة فلان، وهي ابنة حاوية للحسن والجمال، والعقل والكمال وهي لا تليق إلا بك. فقبلها منهم بعدما بالغوا في حسنها وجمالها، ثم أمرهم ان يأخذوها إلى الحمام، وأمرهم أن يزينوا الأسواق ويأخذوا باللهو واللعب والطرب، وأن يحضروا أسباب العرس، فأخذوها إلى الحمام وأسباب العرس خلفها، فدعا الملك بخادمه وقال له:
خذ ناقة مهزولة غير موطئة ولا مرحولة، وامض بها إلى باب الحمام فإذا خرجت البنت فأركبها على الناقة ودر بها في الشوارع والمشارع، ولا تدع أحدا يستر وجهها من النظار فامتثل الخادم أمره ومضى بالناقة إلى الحمام ووقف بالباب في جمع من رؤسائهم وهم لا يشعرون بذلك فلما نظروا إلى الخادم والناقة في يده قالوا: ما تريد أن تصنع بهذه الناقة؟ فأخبرهم بما أمره الملك به وأنه فاعل ذلك، فلما سمعوا كلامه شق عليهم ذلك واستعظموا ذلك الفعل الشنيع، فجعلوا ينظرون بعضهم إلى بعض، ثم رجعوا إلى الملك فقالوا: أصلح الله الأمير ما الذي يريد أن يصنع خادمك؟ وما ندري أنه يكذب عليه أم يصدق؟ ولا ينبغي لمثلك ان يكذب عليك. فقال: ويلكم وما الذي يزعمه خادمي؟ قالوا: كذا وكذا قال: أمرته بذلك قالوا: كيف تأمره بمثل ذلك وهذا أمر لا يرضي الله ورسوله ولا كان في الجاهلية ولا أحد فاعل مثل هذا الفعل؟ ثم اعولوا بالضجيج بين يديه. فقال: ويلكم يا أهل الشام إن هذا العمل غير قبيح لديكم، وإنما هو عادتكم وسجيتكم، وقد فعلتم ما فعلتم قبل هذا بعترة نبيكم. فقالوا: يا أمير هذه البنت من أشرف أهل الشام حسبا ونسبا، وأعلاهم مرتبة وأعفهم ذيلا، وإنما هي ابنة ملكنا. فلما انتهى كلامهم إلى هنا شق أمير تيمور جيبه وبكى حتى غشي عليه، فلما أفاق من الغشوة قال: يا ويلكم يا أتباع يزيد وأولاد اتباعه، أعلموني واخبروني أي ملك أكرم من رسول الله؟ وأية بنت أعف من بنات أمير المؤمنين؟ وهي في شوارعكم وأسواقكم، وأنتم ونساؤكم خرجتم تتفرجون عليهن وأنتم تعلمون أنهن بنات رسول الله نبيكم، ويلكم أخبروني أما كان الحسين حجة الله وابن حجته وقد رأيتم عياله سبايا على النياق من بلد إلى بلد؟:
فمن بلدة تهدى إلى شر بلدة * ومن ظالم تهدى إلى شر ظالم