فضيلة التقوى وذم خلافها وبيان سبب حصول بني آدم في الدنيا واحتياجهم إلى المعايش و اختلافهم في المنازل الدينية والمراتب الدنيوية وحصول الشهوات فيهم، وترقيهم في الكمالات لذلك.
فتهبوا أي نفضوا أيديهم عن الدنيا وتفرغوا للآخرة، في النهاية يقال جاء يتهبى إذا جاء فارغا ينفض يديه.
ويحتمل أن يكون من هب فقلب الثاني (1) أي انتبهوا من نوم الغفلة، و أسرعوا في الطاعة أو بليت أبدانهم فكثرة العبادة في القاموس: الهب الانتباه من النوم، ونشاط كل سائر، وسرعته، وتهبب الثوب بلي، وفي بعض النسخ " فبهتوا " أي تحيروا في ملاحظة عظمة الله سبحانه أو يحسبهم الناس كذلك كما سيأتي.
" ووضع ما دونه " على بناء المفعول أي ذل وحط قدره، أو على بناء المعلوم ككرم يقال في حسبه ضعة أي انحطاط ولؤم وخسة، وقد وضع ككرم ووضعه غيره كذا في القاموس وفي بعض النسخ وصغر " ومؤنتهم من الدنيا عظيمة " المؤنة الثقل، والقوت، والتعب، والشدة.
قال الجوهري (2) المؤنة يهمز ولا يهمز، وهي فعولة وقال الفراء هي مفعلة من الأين وهو التعب والشدة ويقال هو مفعلة من الجون وهو الخرج والعدل، لأنه ثقل على الانسان، قال الخليل: ولو كان مفعلة لكان مئينة، مثل معيشة، وعند الأخفش يجوز أن تكون مفعلة انتهى.
وأقول: تحتمل هذه الفقرة وجوها:
الأول أن يكون المعنى أن تعبهم ومشقتهم بسبب ترك الدنيا، ومجاهدة النفس في الاعراض عنها عظيمة.
الثاني أن يكون المعنى أن الرزق مضيق عليهم، لاعراضهم عن الحرام و الشبهة، ومكسب الحلال قليل، مع أن أولياء الله غالبا مبتلون بالفقر، فالعظيمة