بيان: قال في النهاية: فيه كل مولود يولد على الفطرة، الفطر: الابتداء والاختراع، والفطرة منه الحالة كالجلسة والركبة، والمعنى أنه يولد على نوع من الجبلة والطبع المتهيأ لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها، ولم يفارقها إلى غيرها وإنما يعدل عنه من يعدل لأفة من آفات البشر والتقليد، ثم تمثل بأولاد اليهود والنصارى في اتباعهم لآبائهم، والميل إلى أديانهم، عن مقتضى الفطرة السليمة.
وقيل: معناه كل مولود يولد على معرفة الله والاقرار به، فلا تجد أحدا إلا وهو يقر بأن الله صانعه، وإن سماه بغير اسمه، أو عبد معه غيره، ومنه حديث حذيفة " على غير فطرة محمد " أراد دين الاسلام الذي هو منسوب إليه انتهى.
وقيل: الفطرة بالكسر مصدر للنوع من الايجاد، وهو إيجاد الانسان على نوع مخصوص من الكمال، وهو التوحيد ومعرفة الربوبية، مأخوذا عليهم ميثاق العبودية، والاستقامة على سنن العدل.
وقال بعض العامة: الفطرة ما سبق من سعادة أو شقاوة، فمن علم الله سعادته ولد على فطرة الاسلام، ومن علم شقاوته، ولد على فطرة الكفر، تعلق بقوله تعالى " لا تبديل لخلق الله " (1) وبحديث الغلام الذي قتله الخضر عليه السلام، طبع يوم طبع كافرا، فإنه يمنع من كون تولده على فطرة الاسلام.
وأجيب عن الأول بأن معنى لا تبديل لا تغيير، يعني لا يكون بعضهم على فطرة الكفر، وبعضهم على فطرة الاسلام، ويؤيده قوله صلى الله عليه وآله " كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه " فان المراد بهذه الفطرة فطرة الاسلام.
وعن الثاني: بأن المراد بالطبع حالة ثانية طرأت، وهي التهيؤ للكفر عن الفطرة التي ولد عليها.
وقال بعضهم: المراد بالفطرة: كونه خلقا قابلا للهداية، ومتهيئا لها، لما أوجد فيه من القوة القابلة لها، لان فطرة الاسلام وصوابها موضوع في العقول