وأقول: مثله كثير في القرآن والغرض رفع ما يسبق إلى الأوهام العامية أن الكثرة دليل الحقية، والقلة دليل البطلان، ولذا يميل أكثر الناس إلى السواد الأعظم، مع أن في أعصار جميع الأنبياء كان أعداؤهم أضعاف أضعاف أتباعهم وأولياءهم، وقد الكثير مدح القليل، الرب الجليل في التنزيل، والله يهدي إلى سواء السبيل.
1 - نهج البلاغة: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أيها الناس! لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله، فإن الناس اجتمعوا على مائدة شبعها قصير، وجوعها طويل (1).
بيان: لما كانت العادة جارية بأن يستوحش الناس من الوحدة، وقلة الرفيق في الطريق، لا سيما إذا كان طويلا صعبا غير مأنوس، فنهى عن الاستيحاش في تلك الطريق، وكنى به عما عساه يعرض لبعضهم من الوسوسة، بأنهم ليسوا على الحق لقلتهم، وكثرة مخالفيهم، كما أشرنا إليه.
وأيضا قلة العدد في الطرق الحسية مظنة الهلاك، والسلامة مع الكثرة فنبههم عليه السلام على أنهم في طريق الهدى والسلامة، وإن كانوا قليلين، ولا يجوز مقايسة طرق الآخرة بطرق الدنيا.
ثم نبه على علة قلة أهل طريق أهل الهدى، وهي اجتماع الناس على الدنيا فقال: " فان الناس " واستعار للدنيا المائدة، لكونهما مجتمع اللذات، وكنى عن قصر مدتها بقصر شبعها، وعن استعقاب الانهماك فيها للعذاب الطويل في الآخرة بطول جوعها.
قيل: ولفظ الجوع مستعار للحاجة الطويلة بعد الموت إلى المطاعم الحقيقية الباقية من الكمالات النفسانية، وهو بسبب الغفلة في الدنيا، فلذلك نسب الجوع إليها.
2 - صفات الشيعة للصدوق: باسناده عن المفضل بن قيس، عن أبي عبد الله