ولا يطمع فيما ليس له، يخالط الناس ليعلم، ويصمت ليسلم، ويسأل ليفهم، ويبحث ليعلم، لا ينصت للخير ليفخر به، ولا يتكلم به ليتجبر على من سواه، إن بغي عليه صبر، حتى يكون الله هو الذي ينتقم له.
نفسه منه في عناء، والناس منه في راحة، أتعب نفسه لاخرته، وأراح الناس من نفسه، بعد من تباعد عنه بغض ونزاهة، ودنو من دنا منه لين ورحمة (1) فليس تباعده بكبر ولا عظمة، ولا دنوه لخديعة ولا خلابة، بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير، فهو إمام لمن خلفه من أهل البر.
قال: فصعق همام صعقة كانت نفسه فيها فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما والله لقد كنت أخافها عليه، وأمر به فجهز وصلى عليه، وقال: هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها.
فقال قائل: فما بالك أنت يا أمير المؤمنين؟! فقال: ويلك إن لكل أجلا لن يعدوه، وسببا لا يجاوزه، فمهلا لا تعد فإنه إنما نفث هذا القول على لسانك الشيطان (2).
كتاب سليم بن قيس مثله.
توضيح: إنما كررنا ذكر هذه الخطبة الشريفة، لئلا يفوت عن الناظر في الكتاب الفوائد التي اختصت كل رواية بها مع أنها المسك كلما كررته يتضوع.
" بما خصك به من قرابة الرسول صلى الله عليه وآله والاختصاص به وحباك " أي أعطاك من الوصاية والخلافة بما آتاك من السوابق والمناقب وأعطاك من العلم والقرب ومكارم الأخلاق ويحتمل التعميم والتأكيد.
و " لما " إيجابية أي أسألك في جميع الأحوال إلا حال الوصف، وهو حصول المطلوب، وقد مر الكلام في تأويل معصية آدم وحوا عليهما السلام وذكرها لبيان