استحفظ، ولا ينسى ما ذكر، ولا ينابز بالألقاب، ولا يضار بالجار، ولا يشمت بالمصائب، ولا يدخل في الباطل، ولا يخرج من الحق.
إن صمت لم يغمه صمته، وإن ضحك لم يعل صوته، وإن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو الذي ينتقم له، نفسه منه في عناء، والناس منه في راحة، أتعب نفسه لاخرته، وأراح الناس من نفسه، بعده عمن تباعد عنه زهد ونزاهة، ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة، ليس تباعده بكبر وعظمة، ولا دنوه بمكر وخديعة.
قال: فصعق همام صعقة كانت نفسه فيها، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما والله لقد كنت أخافها عليه ثم قال: هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها فقال له قائل:
فما بالك أنت يا أمير المؤمنين؟ فقال عليه السلام: ويحك إن لكل أجل وقتا لا يعدوه وسببا لا يتجاوزه فمهلا لا تعد لمثلها فإنما نفث الشيطان على لسانك (1).
تبيين: قال الكيدري: الهمام البعيد الهمة وكان السائل كاسمه، وقال ابن أبي الحديد (2): همام هو همام بن شريح بن يزيد بن مرة وكان من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام وأوليائه، وكان ناسكا عابدا وتثاقله عن جوابه لأنه علم أن المصلحة في تأخير الجواب، وكأنه حضر المجلس من لا يحب عليه السلام أن يجيب - وهو حاضر. ولعله بتثاقله عليه السلام يشتد شوق همام إلى سماع الموعظة. ولعله من باب تأخير البيان إلى وقت الحاجة. لا عن وقت الحاجة.
وقال ابن ميثم (3): تثاقله عليه السلام لخوفه على همام كما يدل عليه قوله عليه السلام:
أما والله لقد كنت أخافها عليه، وأقول: هذا أظهر.
" اتق الله وأحسن " أي ليس عليك أن تعرف صفات المتقين على التفصيل ولعل الأصلح لك القناعة بما تعرفه مجملا من صفاتهم، ومراعاة التقوى والاحسان وكأن المراد بالتقوى الاجتناب عما نهى الله عنه، وبالاحسان فعل ما أمر الله به