أن ما علم منهم مطابق للواقع.
" فثم ثبتت الطاعة والمعصية " وعلم الملائكة من يطيع بعد ذلك ومن يعصي وأثبت ذلك في الألواح مطابقا لعلمه تعالى.
وقوله: " فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر " أي لأجل ما قرر في الانسان من جهتي الخير والشر، ترى الأب يصير تابعا للعقل ومقويا لدواعي الخير، وزاجرا للشهوات فيصير من الأخيار، والابن يتبع الهوى والشهوات ويسلطها على العقل فيصير من الأشرار، مع نهاية الارتباط بينهما.
وقوله " ولا يستطيع هؤلاء " أي لا يتخلف ما علم الله تعالى منهم، لكن لا يختارونها إلا باختيارهم وإرادتهم واستطاعتهم، هذا ما خطر بالبال على وجه الاحتمال والله يعلم غوامض أسرارهم عليهم السلام.
وقال بعض أهل التأويل: عبر عن المادة تارة بالماء، وأخرى بالتربة لاشتراكهما في قبول الاشكال، ولاجتماعهما في طينة الانسان، وتركيب خلقته و " أديم الأرض " وجهها، وكأنه كناية عما ينبت منها مما يصلح أن يصير غذاء للانسان، ويحصل منه النطفة، أو تتربى به و " العرك " الدلك وكأنه كناية عن مزجه بحيث يحصل منه المزاج ويستعد للحياة و " الذر ": النمل الصغار، ووجه الشبه الحس والحركة، وكونهم محل الشعور مع صغر الجثة والخفاء.
وهذا الخطاب إنما كان في عالم الامر، ولشدة ارتباط الملك بالملكوت، وقوامه به، جاز إسناد مادته إليه، وإن كان عالم الامر مجردا عن المادة، واجتماعهم في الوجود عند الله إنما هو لاجتماع الأجسام الزمانية عنده تعالى دفعة واحدة في عالم الامر، وإن كانت متفرقة مبسوطة متدرجة في عالم الخلق.
ووجودهم في عالم الامر وجود ملكوتي ظلي، ينبعث من حقيقته هذا الوجود الخلقي الجسماني، وهو صورة علمه سبحانه بها، وعنه عبر بالظلال في حديث آخر.
وأمره تعالى إياهم إلى الجنة والنار هدايته إياهم إلى سبيلهما، ثم توفيقه أو خذلانه، ولعل المراد بالنار المسعرة بعد ذلك التكاليف الشرعية، وتحصيل المعرفة