بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٤ - الصفحة ١١٩
تعالى: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " (1).
وأورد على ظاهر الآية أن بعض الجن والإنس لا يعبدون أصلا، إما لكفر أو جنون أو موت قبل البلوغ أو نحو ذلك، وعدم ترتب العلة الغائية على فعل الحكيم ممتنع، وأجيب بوجوه أربعة:
الأول: أنه أراد سبحانه بالجن والانس اللذين بلغوا حد التكليف قبل الممات، والتعليل المفهوم من اللام، أعم من العلة الغائية، كما روى الصدوق في التوحيد عن أبي الحسن الأول عليه السلام أنه قال: معنى قول النبي صلى الله عليه وآله " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " (2) أن الله عز وجل خلق الجن والإنس ليعبدوه، ولم يخلقهم ليعصوه، وذلك قوله عز وجل " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " فيسر كلا لما خلق الجن له. فالويل لمن استحب العمى على الهدى.
الثاني: أنه إن سلمنا أن المراد بالجن والانس ما هو أعم من المكلفين وأن اللام للعلية الغائية، لا نسلم العموم في ضمير الجمع في قوله " ليعبدون " إذ لعل المراد عبادة بعض الجن والإنس.
الثالث: إن سلمنا عموم ضمير يعبدون أيضا، فلا نسلم رجوع الضمير إلى الجن والإنس، إذ يمكن عوده إلى المؤمنين المذكورين قبل هذه الآية، في قوله تعالى: " فذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين " فتدل على أن خلق غير المؤمنين لأجل المؤمنين، كما يومئ إليه قوله تعالى في هذا الخبر، " وينظر المؤمن إلى الكافر فيحمدني فلذلك خلقتهم " الخ.
الرابع: لو سلمنا جميع ذلك، نقول: ترتب الغاية على فعل الحكيم ووجوبه

(١) الذاريات: ٥٦.
(2) قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما منكم من أحد الا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة قالوا يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له اما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعلم الشقاوة، متفق عليه، كما في مشكاة المصابيح ص 20.
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»
الفهرست