كل كافر لو خلي وطبعه، وترك العصبية ومتابعة الأهواء، وتقليد الأسلاف والاباء لأقر بذلك، كما ورد ذلك في الأخبار الكثيرة.
قال بعض المحققين: الدليل على ذلك ما ترى أن الناس يتوكلون بحسب الجبلة على الله، ويتوجهون توجها غريزيا إلى مسبب الأسباب، ومسهل الأمور الصعاب، وإن لم يتفطنوا لذلك، ويشهد لهذا قول الله عز وجل " قال: أرأيتكم إن أتيكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين * بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون ". (1) وفي تفسير مولانا العسكري عليه السلام أنه سئل مولانا الصادق عن الله فقال للسائل يا أبا عبد الله هل ركبت سفينة قط قال: بلى، قال: فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك، ولا سباحة تغنيك؟ قال: بلى، قال: فهل تعلق قلبك هناك أن شيئا من الأشياء قادر على أن يخلصك من ورطتك؟ قال: بلى، قال الصادق: فذلك الشئ هو الله القادر على الإنجاء حين لا منجي، وعلى الإغاثة حين لا مغيث.
ولهذا جعلت الناس معذورين في تركهم اكتساب المعرفة بالله عز وجل متروكين على ما فطروا عليه، مرضيا عنهم بمجرد الاقرار بالقول، ولم يكلفوا الاستدلال العلمية في ذلك، وإنما التعمق لزيادة البصيرة ولطائفة مخصوصة، وأما الاستدلال فللرد على أهل الضلال.
ثم إن أفهام الناس وعقولهم متفاوتة في قبول مراتب العرفان، وتحصيل الاطمينان، كما وكيفا، شدة وضعفا، سرعة وبطئا، حالا وعلما، وكشفا وعيانا وإن كان أصل المعرفة فطريا، إما ضروري أو يهتدى إليه بأدنى تنبيه، فلكل طريقة هداه الله عز وجل إليها إن كان من أهل الهداية، والطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق، وهم درجات عند الله يرفع الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات.