الذكر، يبيت حذرا، ويصبح فرحا: حذرا لما حذر من الغفلة، فرحا لما أصاب من الفضل والرحمة، إن استصعبت عليه نفسه لم يعطها سؤلها فيما فيه مضرته، ففرحه فيما يخلد ويدوم، وقرة عينه فيما لا يزول، ورغبته فيما يبقى، وزهادته فيما يفنى.
يمزج العلم بالحلم، ويمزج الحلم بالعقل، تره بعيدا كسله، دائما نشاطه قريبا أمله، قليلا زلله، متوقعا أجله، خاشعا قلبه، ذاكرا ربه، خائفا ذنبه قانعة نفسه، متغيبا جهله، سهلا أمره، حريزا لدينه، ميتة شهوته، كاظما غيظه صافيا خلقه، آمنا منه جاره، ضعيفا كبره، متينا صبره، كثيرا ذكره، محكما أمره.
لا يحدث بما يؤتمن عليه الأصدقاء، ولا يكتم شهادته الأعداء، ولا يعمل شيئا من الحق رئاء، ولا يتركه حياء، الخير منه مأمول، والشر منه مأمون إن كان من الغافلين (1) كتب من الذاكرين وإن كان من الذاكرين (2) لم يكتب من الغافلين.
يعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه، ولا يعزب حلمه، و لا يعجل فيما يريبه، ويصفح عما قد تبين له، بعيدا جهله، لينا قوله، غائبا مكره قريبا معروفه، صادقا قوله، حسنا فعله، مقبلا خيره، مدبرا شره، فهو في الزلازل وقور، وفي المكاره صبور، وفي الرخاء شكور، ولا يحيف على من يبغض، و لا يأثم فيمن يحب، ولا يدعي ما ليس له، ولا يجحد حقا عليه، يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه، لا يضيع ما استحفظ، ولا يتنابز بالألقاب، لا يبغي على أحد، ولا يهم بالحسد، ولا يضر بالجار، ولا يشمت بالمصائب، سريع للصواب، مؤد للأمانات، بطئ عن المنكرات، يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، لا يدخل في الأمور بجهل، ولا يخرج عن الحق بعجز.
إن صمت لم يغمه الصمت، وإن نطق لم يقل خطأ، وإن ضحك لم يعد صوته سمعه، قانعا بالذي قدر له، لا يجمح به الغيظ، ولا يغلبه الهوى، ولا يقهره الشح