والذين هم محسنون.
فقال همام: يا أمير المؤمنين أسألك بالذي أكرمك بما خصك به، وحباك وفضلك بما آتاك وأعطاك، لما وصفتهم لي، فقام أمير المؤمنين صلوات الله على قائما على قدميه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وآله ثم قال:
أما بعد فان الله عز وجل خلق الخلق حيث خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا لمعصيتهم لأنه لا تضره معصية من عصاه منهم، ولا تنفعه طاعة من أطاعه منهم، وقسم بينهم معايشهم، ووضعهم في الدينا مواضعهم، وإنما أهبط الله آدم وحوا عليهما السلام من الجنة عقوبة لما صنعا حيث نهاهما فخالفاه وأمرهما فعصياه.
فالمتقون فيها هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع، خشعوا لله عز وجل بالطاعة فتهبوا (1) فهم غاضون أبصارهم عما حرم الله عليهم واقفين أسماعهم على العمل نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت منهم في الرخاء رضا منهم عن الله بالقضاء، ولولا الآجال التي كتبت عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب وخوفا من العقاب، عظم الخالق في أنفسهم ووضع ما دونه في أعينهم.
فهم والجنة كمن رآها فهم فيها متكئون، وهم الدار كمن رآها فيهم فيها معذبون، قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحوائجهم خفيفة وأنفسهم عفيفة، ومؤنتهم من الدنيا عظيمة.
صبروا أياما قصارا أعقبتهم راحة طويله، تجارة مربحة، يسرها لهم رب كريم، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها، وطلبتهم فأعجزوها.
أما الليل فصافون أقدامهم، تالين لاجزاء القرآن، يرتلونه ترتيلا يحزنون به أنفسهم، ويستترون به (6) ويهيج أحزانهم بكاء على ذنوبهم، ووجع كلوم جراحهم وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وأبصارهم فاقشعرت منها