تاهوا تيها بعيدا، إن الله تبارك وتعالى، لا يقبل إلا العمل الصالح، ولا يقبل الله إلا الوفاء بالشروط والعهود، فمن وفى لله عز وجل بشرطه، واستعمل ما وصف في عهده، نال ما عنده، واستعمل عهده.
إن الله تبارك وتعالى أخبر العباد بطريق الهدى، وشرع لهم فيها المنار وأخبرهم كيف يسلكون فقال: " وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى (1) " وقال: " إنما يتقبل الله من المتقين (2) " إلى آخر الخبر، فالشروط والعهود هي التوبة، والايمان والأعمال الصالحة، والاهتداء بالأئمة عليهم السلام.
" فذلك الذي لا تصيبه أهوال الدنيا، ولا أهوال الآخرة " قيل: المراد بأهوال الدنيا: القحط والطاعون وأمثالهما في الحياة، وما يراه عند الموت من سكراته وأهواله، وأهوال الآخرة ما بعد الموت إلى دخول الجنة، وقيل: المراد بأهوال الدنيا: الهموم من فوات نعيمها، لان الدنيا ونعيمها لم تخطر بباله، فكيف الهموم من فواتها، أو المراد أعم منها ومن عقوباتها ومكارهها ومصائبها، لأنها عنده نعمة مرغوبة لا أهوال مكروهة، أو لأنها لا تصيبه لأجل المعصية، فلا ينافي إصابتها لرفع الدرجة، ولا يخفى بعد تلك الوجوه.
والأظهر عندي أن المراد بأهوال الدنيا ارتكاب الذنوب والمعاصي، لأنها عنده من أعظم المصائب والأهوال، بقرينة ما سيأتي في الشق المقابل له، ويحتمل أن يكون إطلاق الأهوال عليها على مجاز المشاكلة.
" وذلك ممن يشفع " على بناء المعلوم، أي يشفع للمؤمنين من المذنبين " ولا يشفع له " على بناء المجهول، أي إنه لا يحتاج إلى الشفاعة، لأنه من المقربين الذين لا خوف عليهم ولا يحزنون، وإنما الشفاعة لأهل المعاصي.
" كخامة الزرع " قال في النهاية: فيه مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تفيئها الرياح: هي الطاقة الغضة اللينة من الزرع، وألفها منقلبة عن واو. انتهى