في الحكمة، من حيث إجراء العادة، والله قد منعنا من طرحه، ونهانا عنه، فصار الطارح كأنه الموصل إليه الألم، فلهذا كان العوض علينا دونه تعالى، وكذلك إذا شهد عند الامام شاهدا زور بالقتل، فان العوض على الشهود، وإن كان الله تعالى قد أوجب القتل، والامام تولاه، وليس عليهما عوض، لأنهما أوجبا بشهادتهما على الامام إيصال الألم إليه، من جهة الشرع، فصار كأنهما فعلاه، لان قبول الشاهدين عادة شرعية، يجب إجراؤها على قانونها كالعادات الحسية.
واختلف أهل العدل في وجوب الانتصاف عليه تعالى، فذهب قوم منهم إلى أن الانتصاف للمظلوم من الظالم واجب على الله تعالى عقلا، لأنه هو المدبر لعباده فنظره نظر الوالد لولده، وقال آخرون منهم: أنه يجب سمعا، والمصنف رحمه الله اختار وجوبه عقلا وسمعا، وهل يجوز أن يمكن الله تعالى من الظلم، من لا عوض له في الحال يوازي ظلمه؟ فمنع منه المصنف قدس سره.
وقد اختلف أهل العدل هنا، فقال أبو هاشم والكعبي: إنه يجوز، لكنهما اختلفا، فقال الكعبي: يجوز أن يخرج من الدنيا ولا عوض له يوازي ظلمه، وقال:
إن الله تعالى يتفضل عليه بالعوض المستحق عليه، ويدفعه إلى المظلوم، وقال أبو هاشم: لا يجوز بل يجب التقية، لان الانتصاف واجب، والتفضل ليس بواجب ولا يجوز تعليق الواجب بالجائز.
وقال السيد المرتضى رضي الله عنه: إن التقية تفضل أيضا، فلا يجوز تعليق الانتصاف بها، فلهذا وجب العوض في الحال، واختاره المصنف رحمه الله لما ذكرناه.
واعلم أن المستحق للعوض إما أن يكون مستحقا للجنة، أو للنار، فإن كان مستحقا للجنة، فان قلنا: إن العوض دائم فلا بحث، وإن قلنا: إنه منقطع توجه الاشكال، بأن يقال: لو أوصل العوض إليه ثم انقطع عنه حصل له الألم بانقطاعه.
والجواب من وجهين: الأول: أنه يوصل إليه عوضه متفرقا على الأوقات بحيث لا يتبين له انقطاعه، فلا يحصل له الألم، الثاني: أن يتفضل الله تعالى عليه