ليدعوني، فأجيبه، وإنه ليسألني فاعطيه، ولو لم يكن في الدنيا إلا واحد من عبيدي مؤمن لاستغنيت به عن جميع خلقي، ولجعلت له من إيمانه انسا لا يستوحش إلى أحد. (1) تبيين: " ما ترددت في شئ " هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بين الفريقين، ومن المعلوم أنه لم يرد التردد المعهود من الخلق في الأمور التي يقصدونها فيترددون في إمضائها، إما لجهلهم بعواقبها، أو لقلة ثقتهم بالتمكن منها لمانع ونحوه، ولهذا قال: " أنا فاعله " أي لا محالة أنا أفعله لحتم القضاء بفعله أو المراد به: التردد في التقديم والتأخير لا في أصل الفعل.
وعلى التقديرين فلابد فيه من تأويل وفيه وجوه عند الخاصة والعامة أما عند الخاصة فثلاثة:
الأول أن في الكلام إضمارا، والتقدير لو جاز علي التردد ما ترددت في شئ كترددي في وفاة المؤمن.
الثاني أنه لما جرت العادة بأن يتردد الشخص في مساءة من يحترمه ويوقره كالصديق، وأن لا يتردد في مساءة من ليس له عنده قدر ولا حرمة كالعدو، بل يوقعها من غير تردد وتأمل، صح أن يعبر عن توقير الشخص واحترامه بالتردد وعن إدلاله واحتقاره بعدمه، فالمعنى ليس لشئ من مخلوقاتي عندي قدر وحرمة كقدر عبدي المؤمن وحرمته، فالكلام من قبيل الاستعارة التمثيلية.
الثالث: أنه ورد من طريق الخاصة والعامة أن الله سبحانه يظهر للعبد المؤمن عند الاحتضار من اللطف والكرامة والبشارة بالجنة ما يزيل عنه كراهة الموت ويوجب رغبته في الانتقال إلى دار القرار، فيقل تأذيه به، ويصير راضيا بنزوله وراغبا في حصوله، فأشبهت هذه المعاملة معاملة من يريد أن يؤلم حبيبه ألما يتعقبه نفع عظيم، فهو يتردد في أنه كيف يوصل هذا الألم إليه، على وجه يقل تأذيه.
فلا يزال يظهر له ما يرغبه فيما يتعقبه من اللذة الجسمية، والراحة العظيمة