وامتثال أوامر الله، ووجه المشابهة كونهم متعوضين بمتاع الدنيا وبحركاتهم في العبادة متاع الآخرة، ورشح بلفظ الربح لأفضلية متاع الآخرة وزيادته في النفاسة على ما تركوه وظاهر أن ذلك بتيسير الله لأسبابه وإعدادهم له بالجواذب الإلهية.
الخامسة عشر: عدم إرادتهم للدنيا مع إرادتها لهم، وهو إشارة إلى الزهد الحقيقي وهو ملكة تحت العفة، وكنى بإرادتها لهم عن كونهم أهلا لان يكونوا فيها رؤسا وأشرافا كقضاة ووزراء ونحو ذلك، وكونها بمعرض أن تصل إليهم لو أرادوها، ويحتمل أن يريد أرادهم أهل الدنيا فحذف المضاف.
السادسة عشر: افتداء من أسرته لنفسه منها، وهو إشارة إلى من تركها، وزهد فيها بعد الانهماك فيها، والاستمتاع بها، ففك بذلك الترك والاعراض والتمرن على طاعة الله أغلال الهيئات الردية المتلبسة منها عن عنقه، ولفظ الأسر استعارة في تمكن تلك الهيئات من نفوسهم، ولفظ الفدية استعارة لتبديل ذلك الاستمتاع بها بالاعراض عنها، والمواظبة على طاعة الله، وإنما عطف بالواو في قوله " ولم يريدوها " وبالفاء في قوله " ففدوا " لان زهد الانسان في الدنيا كما يكون متأخرا عن إقبالها عليه، كذلك قد يكون متقدما عليه لقوله صلى الله عليه وآله ومن جعل الآخرة أكبر همه جمع الله عليه همه وأتته الدنيا وهي راغمة، فلم يحسن العطف هنا بالفاء، وأما الفدية فلما لم يكن إلا بعد الأسر لا جرم عطفها بالفاء.
السابعة عشر: كونهم صافين أقدامهم بالليل يتلون القرآن ويرتلونه إلى قوله " آذانهم " وذلك إشارة إلى تطويع نفوسهم الامارة بالسوء بالعبادات وشرح لكيفية استيثارهم للقرآن العزيز في تلاوته، وغاية ترتيلهم له بفهم مقاصده، وتحزينهم لأنفسهم به عند ذكر الوعيدات من جملة استيثارهم لدواء دائهم، ولما كان داؤهم هو الجهل، وسائر الرذائل العملية، كان دواء الجهل بالعلم ودواء كل رذيلة الحصول على الفضيلة المضادة لها، فهم بتلاوة القرآن يستثيرون بالتحزين الخوف عن وعيد الله المضاد للانهماك في الدنيا، وداؤه العلم الذي هو دواء الجهل، وكذلك كل فضيلة حث القرآن عليها، فهي دواء لما يضادها من الرذائل، وباقي الكلام شرح