وهما بابان عظيمان للجنة.
الثامنة: عظم الخالق في أنفسهم، وذلك بحسب الجواذب الإلهية إلى الاستغراق في محبته ومعرفته، وبحسب تفاوت تصور عظمته تعالى يكون تصورهم لأصغرية ما دونه، ونسبته إليه في أعين بصائرهم.
وقوله " فهم والجنة كمن قد رآها " إلى قوله " معذبون " إشارة إلى أن العارف وإن كان في الدنيا بجسده، فهو في مشاهدته بعين بصيرته لأحوال الجنة وسعادتها، وأحوال النار وشقاوتها، كالذين شاهدوا الجنة بعين حسهم، وتنعموا فيها، وكالذين شاهدوا النار، وعذبوا فيها، وهي مرتبة عين اليقين، فبحسب هذه المرتبة كانت شدة شوقهم إلى الجنة وشدة خوفهم من النار.
التاسعة: حزن قلوبهم، وذلك ثمرة الخوف الغالب.
العاشرة، كونهم مأموني الشرور، وذلك أن مبدء الشرور محبة الدنيا وأباطيلها، والعارفون بمعزل عن ذلك.
الحادية عشر: نحافة أجسادهم، ومبدء ذلك كثرة الصيام والسهر، وجشوبة المطعم، وخشونة الملبس، وهجر الملاذ الدنيوية.
الثانية عشر: خفة حاجاتهم، وذلك لاقتصارهم من حوائج الدنيا على القدر الضروري من ملبس ومأكل، ولا أخف من هذه الحاجة.
الثالثة عشر: عفة أنفسهم، وملكة العفة فضيلة القوة الشهوية وهي الوسط بين رذيلتي خمود الشهوة والفجور.
الرابعة عشر: الصبر على المكاره أيام حياتهم من ترك الملاذ الدنيوية، و احتمال أذى الخلق، وقد عرفت أن الصبر مقاومة النفس الامارة بالسوء لئلا ينقاد إلى قبائح اللذات، وإنما ذكر قصر مدة الصبر، واستعقابه للراحة الطويلة ترغيبا فيه وتلك الراحة بالسعادة في الجنة كما قال تعالى " وجزاهم بما صبروا جنة و حريرا " (1) الآية، وقوله " تجارة مربحة " استعار لفظ التجارة لاعمالهم الصالحة