بالمنطق لكون النفع والضرر في القول أكثر في الأغلب من أعمال سائر الجوارح و " الملبس " بفتح الباء: ما يلبس، والاقتصاد: التوسط بين طرفي الافراط والتفريط، والمعنى أنهم لا يلبسون ما يلحقهم بدرجة المترفين، ولا ما يلحقهم بأهل الخسة والدناءة، أو يصير سببا لشهرتهم بالزهد كما هو دأب المتصوفين، أو المعنى أن الاقتصاد في الأقوال والافعال، صار شعارا لهم، محيطا بهم، كاللباس للانسان كما مر.
" ومشيهم التواضع " أي لا يمشون مشي المختالين والمتكبرين، كما قال عز وجل: " ولا تمش في الأرض مرحا " الآية (1) أو المراد أن سيرتهم وسلوكهم بين الخلق، أو في سبيل الله، بالتواضع والتذلل، " غضوا أبصارهم " غض فلان طرفه: كمد أي خفضه، وكذلك غض من صوته، وكل شئ كففته فقد غضضته " ووقفت " كضربت أي دمت قائما، ووفقته أنا وقفا: أي فعلت به ما وقف ووقفت الرجل عن الشئ وقفا أي منعته عنه، ووقفت الدار وقفا أي حبستها في سبيل الله، والمراد الاقتصار على استماع العلم النافع، وفيه إيماء إلى ذم الاصغاء إلى القصص الكاذبة، بل وكثير من الصادقة، كما سيأتي إنشاء الله.
و " الرخاء " بالفتح سعة العيش. قال القطب الراوندي رحمه الله: يعني أن المتقين يتعبون أبدانهم في الطاعات، فيطيبون نفسا بتلك المشقة التي يحتملونها مثل طيب قلب الذي نزلت نفسه في الرخاء، ولا بد من تقدير مضاف لان تشبيه الجمع بالواحد لا يصح أي كل واحد منهم إذا نزل في البلاء، يكون كالرجل الذي نزلت نفسه في الرخاء، ونحوه قوله تعالى: " مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق " (2) قال: ويجوز أن يكون " الذي " بمعنى ما المصدرية كقوله تعالى:
" وخضتم كالذي خاضوا " (3) أي نزوله في البلاء كنزوله في الرخاء.