شرعا وعقلا فلا ينبغي تركه (ولا تغبطن أحدا برضى الناس عنه حتى تعلم أن الله راضي عنه) دل على عدم جواز الغبطة في أمر الدنيا الغير الضروري وعلى جوازها في أمر الدين والغبطة أن تتمنى حال المغبوط من غير أن تريد زوالها عنه.
* الأصل 22 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
إن في كتاب علي صلوات الله عليه: إنما مثل الدنيا كمثل الحية ما ألين مسها وفي جوفها السم الناقع، يحذرها الرجل العاقل ويهوى إليها الصبي الجاهل.
* الشرح قوله: (إنما مثل الدنيا كمثل الحية ما ألين مسها وفي جوفها السم الناقع) أي القاتل وهو من صيغ التعجب وفيه إشارة إلى وجه التشبيه وهو أما متعدد أو مركب من متعدد وعلى التقديرين في المشبه به حسى وفي المشبه عقلي والغرض من هذا التشبيه أما بيان حال المشبه وصفته أو تقبيحه في نظر السامع ليتنفر طبعه عنها وهما إنما يقتضيان أن يكون المشبه به أعرف وأشهر في وجه التشبيه من المشبه ولا ينافي ذلك أن يكون الأمر بالعكس في الأتمية فعلى هذا يمكن أن يكون تأثير سم الدنيا أقوى وأتم لأنه يؤثر في النفس الناطقة ويوجب الهلاك الأبدي، ومس الدنيا كناية عن جمع زهراتها الفانية والإلتذاذ بها، وسمها عبارة عما يترتب عليه في المآل (يحذرها الرجل العاقل) لعلمه بأن القرب منها وتناولها يوجب هلاكه فيكون انسه وسروره بالحذر عنها والفرار منها والاتصال بالمولى.
(يهوى إليها الصبي الجاهل) أطلق على طالب الدنيا لفظ الصبي على سبيل الاستعارة لعدم عمله بما يضره وينفعه إذ ليس له بصيرة باطنية ليدرك بها بواطن الأمور، ولذلك نظره مقصور على ظواهرها وهمه مصروف إلى التمسك بها والركون إليها حتى لو منعه مانع لعارضه أشد المعارضة وقاتله أقبح المقاتلة فربما يحسبه الحرص في سجن المهالك وهو مشعوف بذلك فيأتيه الموت ويفسد عليه وهو في الآخرة من الخاسرين.
* الأصل 23 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبي جميلة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى بعض أصحابه يعظه أوصيك ونفسي بتقوى من لا تحل معصيته ولا يرجى غيره ولا الغنى إلا به، فإن من إتقى الله عز وجل وقوي وشبع وروى ورفع عقله عن أهل الدنيا فبدنه مع أهل الدنيا وقلبه وعقله معاين الآخرة، فأطفأ بضوء قلبه ما أبصرت عيناه من حب الدنيا