فقذر حرامها وجانب شبهاتها وأضر والله بالحلال الصافي إلا ما لا بد له [منه] من كسرة يشد بها صلبه يواري به عورته من أغلظ ما يجد وأخشنه ولم يكن له فيما لا بد له منه ثقة ولا رجاء، فوقعت ثقته، ورجاؤه على خالق الأشياء، فجد واجتهد وأتعب بدنه حتى بدت الأضلاع وغارت العينان فأبدل الله له من ذلك قوة في بدنه وشدة في عقله وما ذخر له في الآخرة أكثر، فأرفض الدنيا فإن حب الدنيا يعمي ويصم ويبكم ويذل الرقاب فتدارك ما بقي من عمرك ولا تقل غدا [أ] وبعد غد، فإنما هلك من كان قبلك بإقامتهم على الأماني والتسويف حتى أتاهم أمر الله بغتة وهم غافلون، فنقلوا على أعوادهم إلى قبورهم المظلمة الضيقة وقد أسلمهم الأولاد والأهلون، فإنقطع إلى الله بقلب منيب من رفض الدنيا وعزم ليس فيه انكسار ولا إنخزال، أعاننا الله وإياك على طاعته ووفقنا الله وإياك لمرضاته.
* الشرح قوله: (كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى بعض أصحابه يعظه أوصيك ونفسي بتقوى [الله]) الوعظ الأمر بالطاعة وعليه قوله تعالى (قل إنما أعظكم بواحدة) أي آمركم وقيل الوعظ تذكير مشتمل على زجر وتخويف وحمل على طاعة الله بلفظ يرق له القلب والاسم الموعظة والوصية بالشيء الأمر به وعليه قوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم» أي يأمركم وقوله «من لا تحل معصيته» بدل أو وصف للجلالة (فإن من إتقى) الظاهر أنه علة لقوله «أوصيك» يعني أمرتك بالتقوى فإن من إتقى الله وإجتنب عن معصية وتنزه عما يشغل عنه (عز) بعزة ربانية لأذل معها. (وقوى) بقوة روحانية لأضعف فيها (وشبع) بحكمة إلهية لأجل معها.
(وروى) بزلال أسرار غيبية وألطاف لاهوتية لا يحتاج معها إلى غيرها (و) لذلك (رفع عقله عن أهل الدنيا) حيث أن عقولهم عكفت كالذباب على ميتة الدنيا وعقله سائر في الملاء الأعلى ( فبدنه مع أهل الدنيا) لكون من جنس أبدانهم في الصورة الجسدانية.
(وقلبه وعقله معاين الآخرة) لتجرده عن العلائق الجسمانية. (فأطفأ بضوء قلبه ما أبصرت عيناه) من حب الدنيا، الاطفاء اخماد النار حتى لا يبقى منها شيء وضوء القلب عبارة عن صورة العلمية المايزة بين الحق والباطل والحسن والقبح، وفي عد حب الدنيا مبصرا مسامحة، وتشبيهه بالنار في الإحراق والاهلاك استعارة مكنية ونسبة الاطفاء إليه تخييلية.
(فقذر حرامها) القذر الوسخ وهو مصدر قذر الشيء فهو قذر من باب تعب إذا لم يكن نظيفا، وقذرته من باب تعب أيضا وإسقذرته وتقذرته كرهته لوسخ فأقذرته بالألف وجدته كذلك وكثيرا ما يطلق على النجس وهو المراد هنا.