(وجانب شبهاتها) وهي المشتبهات بالحرام مع عدم العلم بأنها حرام كأموال الظلمة الآخذين لأموال الناس ظلما (وأضرو الله بالحلال الصافي) وهو الحلال الخالص من الحرام قطعا (إلا ما لا بد له) وهو أقل المعيشة الذي لا يمكن الوجود والبقاء والطاعة بدونه (من كسرة يشد بها) صلبه الكسرة بالكسرة القطعة من الشيء المكسور ومنه الكسر من الخبز المتخذ من دقيق الحنطة والشعير أو غيرهما والجمع كسر مثل سدرة وسدر.
(وثوب يواري به عورته من أغلظ ما يجد وأخشنه) حض العورة بالذكر لأنها أهم بالمواراة وإلا فلا بد من ثوب يواري به سائر البدن عند الاحتياج إليه لحفظه من الحر والبرد (ولم يكن له فيما لا بد له منه ثقة ولا رجاء) نفي الثقة والاعتماد فيما لا بد منه عند كونه حاصلا ونفي الرجاء عند عدم كونه حاصلا.
(فوقعت ثقته) عند الحصول (ورجاؤه) عند عدمه (على خالق الأشياء) هذا غاية الزهد والتوكل حيث قطع تعلقه بالوسائط والأسباب وخص تعلقه برب الأرباب.
(فجد واجتهد) أي فجد في السير إليه والعمل له واجتهد في تهذيب الظاهر والباطن مما يمنع القرب منه (وأتعب بدنه) بأنحاء العبادات والرياضيات.
(حتى بدت الأضلاع) لشدة هزاله بكثرة التعب وقلة الغذاء (وغارت العينان) لكثرة السهر وقلة النوم (فأبدل الله له من ذلك قوة في بدنه) يتحمل بها الأعمال الشاقة مع ضعف البنية (وشدة في عقله) يدرك بها الأسرار اللاهوتية ويتحمل الأنوار الملكوتية (وما ذخر له في الآخرة) من الاجر الجميل والثواب الجزيل والمقامات العالية والدرجات الرفيعة (أكثر) مما آتاه في الدنيا (فأرفض الدنيا فإن حب الدنيا) وهو ميل النفس إليها بحيث يفرح بحصولها ويحزن بفواتها.
(يعمى ويصم ويبكم ويذل الرقاب) المراد بالعمي عمى البصيرة فإن حب الدنيا حاجز بينها وبين الحق وأسراره، مانع من إدراكها. ويحتمل عمى الصبر فان حبها مانع من إدراك البصر تقلبها على أهلها وإدراك نوائبها الدالة على هوانها كما أنه مانع من سماع نداه الداعي إلى فراقها وآيات الحق على زوالها وفنائها ومن التكلم بالأوامر والنواهي وتقبيح المنكرات لأن كل ذلك مناف لما إرتكبه من الميل إلى الدنيا وحب الشهوات وهو مع ذلك موجب لذل الرقاب إذ في حبها وتحصيلها وضبطها وحفظها من أهل الجور مذلة ظاهرة لأولي الألباب (فتدارك ما بقي من عمرك) واصرفه في عبادة ربك وتدارك ما فات وانصرف عن حب الدنيا إلى المقتضيات (ولا تقل غدا وبعد غد فإنما هلك من كان قبلك بإقامتهم على الأماني والتسويف) هذا قول أهل الأماني والآمال ومناطه حب الدنيا فإن حبها يبعثه على صرف العمر في تحصيلها وجمعها وصرف الفكر في كيفية