تحصيل ما يأمل ويرجو منها وتدبير إزالة المانع منه وهو بذلك يغفل عن أمر الآخرة وما ينفعه فيها، ولو خطر بباله يسوفه ويقول أفعله غدا وبعد غد وبعد تعمير هذه العمارة انقضاء هذه التجاوز وحصاد هذه الزراعة، وهكذا بعد اشتغاله المتولدة بعضها عقب بعض إلى أن يأتيه الموت بغتة وهو في خسران مبين وفيه ردع عن تسويف التوبة والعبادات والقيام على الأماني وحب الشهوات فإن كل ذلك مع قطع النظر عن كونه مانعا بالفعل قد لا يتحصل له بإتيان الموت بغتة وخروج الأمر من يده ووصوله إلى الغد ليس باختياره على أن الرجوع من الذنوب في الغد ليس بأسهل من اليوم بل هو أصعب لأن المعصية بإستمرارها تشتد وتقوى حتى تصير ملكة فإزالتها حينئذ أشد وأصعب، فإذا عجز عن إزالة الأضعف فهو عن إزالة الأصعب أعجز.
(فإنقطع إلى الله بقلب منيب من رفض الدنيا) الظاهر أن فانقطع أمر معطوف على فأرفض الدنيا. والإنابة الرجوع إلى الله تعالى و «من» تعليل لها وعزم عطف على قلب وهو عقد الضمير والإنخزال الانقطاع.
* الأصل 24 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة وغيره، عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: مثل الدنيا كمثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى يقتله.
* الشرح قوله: (مثل الدنيا كمثل ماء البحر) هذا التمثيل في غاية الحسن والوجه هو ازدياد الحرص في الجمع والشرب المفضى إلى الهلاك بالآخرة، ومن البين أن طالب الدنيا إذا توجه إلى أمر واحد منها يتولد منه أمور كثيرة وتشتبك فيه إشغال غير محصورة بعضها عقب بعض وصرف العمر فيها والحرص في تحصيلها يوجب هلاكه.
25 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: قال: عيسى بن مريم صلوات الله عليه للحواريين: يا بني إسرائيل لا تأسوا على ما فاتكم من الدنيا كما لا يأسي أهل الدنيا على ما فاتهم من دينهم إذا أصابوا دنياهم.