والطاعة فمن لم يتحقق فيه هذا الغرض فاتته الدنيا فهو ليس بزاهد فيها وتارك لها بل هو من أهلها فيه شك في أمر الآخرة أو شرك. وأعلم أن تفرغ القلب لأمر الآخرة يبذر السعادة والذكر فيه والطاعة في جميع الجوارح وهي تزيد وتنمو حتى يصير القلب نورا إلهيا يشاهد جلال الله وعظمته وأسراره الغيبية التي قلما يقدر على تحملها ثم يتشرف بمقام الانس ثم بمقام المحبة ثم بمقام الرضا ثم بمقام الفناء في الله وهو هذا المقام لا يرى في الوجود إلا هو وإلى هذه المراتب أشار جل شأنه بقوله (ومن يرد ثواب الآخرة نزد له في حرثه» بخلاف القلب الملوث بشهوات الدنيا فإن الذكر والطاعة لو تحققا لا يؤثر أن فيه بل يفسدان كالبذر في أرض السبخة والطعام في المعدة الممتلئة بالأخلاط الفاسدة ولذلك ترى كثيرا من الذاكرين والعابدين لا يجدون من السعادة إلا إسما ولا يعلمون من المعرفة إلا رسما وهم عن قرب الحق محرومون وعن ساحة أسراره مطرودون.
* الأصل 6 - علي، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن علامة الراغب في ثواب الآخرة زهده في عاجل زهرة الدنيا، أما إن الزاهد في الدنيا لا ينقصه مما قسم الله عز وجل له فيها وإن زهد، وإن حرص الحريص على عاجل زهرة [الحياة] الدنيا لا يزيده فيها وإن حرص، فالمغبون من حرم حظه من الآخرة.
* الشرح قوله: (علامة الراغب في ثواب الآخرة زهده في عاجل زهرة الدنيا) لكل حق علامة دالة عليه وعلامة من رغب في ثواب الآخرة الذي أعظمه قرب الحق زهده في زهرة الدنيا لأنها ينافيه ومن رغب في شيء يترك ما ينافيه بالضرورة ويطلب ما يحقق حصوله فمن ادعى الرغبة في ثواب الآخرة وهو راغب في الدنيا فهو كاذب وإنما أقحم لفظ العاجل لأن زهرة الدنيا المتعلقة بالأجل والآخرة كقدر ما يحتاج إليه الإنسان في تحصيل ما ينفع الآخرة لا ينافي الرغبة في ثوابها بل معين لحصوله والمراد بزهرة الدنيا متاعها تشبيها له بزهرة النبات لحسنها في أعين الناس، ثم حث على الزهد وترك الحرص والاجتهاد والرغبة في الدنيا على وجه المبالغة للتنبيه والتأكيد بالتكرير وغيره بقوله: (أما إن زهد الزاهد في هذه الدنيا) الإشارة للتحقير (لا ينقصه مما قسم الله عز وجل له فيها وإن زهد) كيف وقد قال الله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه» فالزهد باعث لوصول القسم والرزق لا مانع له (وإن حرص الحريص على عاجل زهرة الدنيا لا يزيده فيها وإن حرص) لأن قسمه من الدنيا ما يحتاج إليه في بقائه والزائد عليه على تقدير حصوله بالحرص ليس قسما له بل لغيره والحاصل القسم وعدم