شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٨ - الصفحة ٣٨٠
وصوله منوط بالتقدير والمشية فما قدر قمسا له يأتيه وإن زهد وما لم يقدر قسما له لا يأتيه وإن حرص، ولا ينافي هذا قوله تعالى (ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب» إذ لا دلالة فيه على أن جميع ما أتاه قسم ورزق (فالمغبون من حرم حظه من الآخرة) هذا كالنتيجة للسابق وتعريف المبتدأ باللام دل على انحصار الغبن فيه لما عرفت من أن قسم كل أحد يأتيه زهد أو حرص فلا غبن فيه، وإنما الغبن في فقد النصيب في الآخرة بترك العمل له.
* الأصل 7 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن يحيى الخثعمي، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما أعجب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيء من الدنيا إلا أن يكون فيها جائعا خائفا.
* الشرح قوله: (ما أعجب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيء من الدنيا إلا أن يكون جايعا خائفا) خوفه كان فوق خوف الخائفين وجوعه مشهور وفي كتب الأحاديث مذكور وقد روى أنه لم يشبع من خبر الحنطة ثلاثة أيام متوالية ولا من اللحم قط وأنه أهضم أهل الدنيا كشحا وأخمصهم بطنا وأنه إذا اشتد جوعه كان يربط حجرا على بطنه ويسميه المشبع وأنه كان يأكل على الأرض ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله ويرقع بيده ثوبه ويركب الحمار العاري ويردف خلفه وأنه رأى سترا نصبته بعض أزواجه على باب داره فقال لها غيبيه عنى فإنه يذكرني الدنيا وزخارفها فأعرض عن الدنيا بقلبه وأمات ذكرها من نفسه وأحب أن تغيب زينتها من عينه وما ذلك إلا لخسة الدنيا ومتاعها في نظره فليكن لك أسوة حسنة به (صلى الله عليه وآله وسلم) وأعلم أن في الجوع فوائد منها صفاء القلب (1)

1 - قوله «إن في الجوع فوائد منها صفاء القلب» أعلم أن النفس الإنسانية مع تعلقها بالبدن وإتحادها مع القوى لها مقام شامخ بنفسه غير متعلق وكلما ازداد جهة تعلقها شدة ازداد جهة تجردها ضعفا وكلما نقص جهة تعلقها قوى جهة تجردها، وهذا أمارة كونها شيئا مستقلا بنفسه مجردا عن البدن ولا يمكن أن يعترف أحد بأن في الجوع صفاء القلب إلا إذ اعترف بأن القلب أي النفس الناطقة غير البدن وإلا كان كمال البدن بالشبع وكما النفس كذلك وقد مر في الصفحة 311 استدلال بعضهم على تجرد النفس بوجود الاختيار لها وأنها لو كانت مادية كان جميع أفعالها قهرية إجبارية كضربان القلب والنبض، وقال بعض العلماء أن الإدراك من خواص الموجود المجرد لأن المادة والجسم ليس من شأنهما الإدراك وليس إنطباع صورة في جسم مقتضيا لأن يحس به وإلا لكان جسم مدركا للعوارض الحالة فيه فالإدراك من عالم آخر غير عالم الماديات إلا أن بعض الإدراكات يحتاج فيها إلى آلة كالسمع والبصر وبعضها لا يحتاج كالعقل والآلة ليست بمدركة قطعا وإنما المدرك من استعمل تلك الآلة ولا ينعدم مستعمل الآلة وان عجز عما كان يفعله بوساطة الآلة، كما أن الأعمل لا يقال وجوده بفقد البصر ولا الأصم بفقد السمع ولا المغمى عليه بفقد الحواس كلها فقد يعرض الأغماء فيفيق ويدرك أنه هو الذي كان قال الأغماء مع علومه وملكاته وليس موجودا جديدا وما يدرك بالآلات كل مرة محسوس جديد غير ما أدرك أولا، وأيضا يتبدل الجسم وأجزائه ولا يبقى بعد نحو سبع سنين مما كان شيء مع أن علمه بذاته وبغير ذاته هو الذي كان ولو كان النفس عين البدن أو معلولا له لم يبق له بعد سنين شيء من معلوماته السابقة فثبت أن الأعضاء آلات ولا يتغير مستعمل الآلة بتبدل الآلة.
وقالوا لو كانت العلوم الكثيرة الحاصلة للإنسان خصوصا للعلماء والحكماء في الفنون المختلفة حالات وعوارض طارية على دماغهم لتشوشت الصور وتداخلت وإمتزجت وارتفع الامتياز بينها كما أن الأصوات المختلفة لو تواردت على السمع لم يتمايز وإذا تحركت الأشياء المختلفة سريعا مقابل الصبر لم يميز الصبر بينها مع أن الصور العقلية متمايزة جديدا مع اجتماعها دفعة وجميع علوم ابن سينا المكتوبة في تصانيفه لو كانت حالات عارضة على دماغه وهى مجتمعة لم يكن عالما بشيء فثبت أن العلوم كلها عند النفس والدماغ آلة تنطبع فيها الصور الجزئية شيئا بعد شيء تمحو صورة وتتجدد صورة، وقالوا أن النفس لا دراك الصور الكلية لا يحتاج إلى آلة أيضا لأنها زمان الشيخوخة لا يضعف إدراكه لها كما يضعف حواسه الآلية وأيضا لا يكل بإدراك الكليات ولا يعجز عن إدراك ضعيف بعد قوى كما يعجز البصر عن إدراك النور الضعيف أثر القوي لكلاله، وأيضا العقل يدرك ذاته والحس لا يحس ذاته لأن الآلة لا تؤثر في نفسها والعقل ليس بآلة ويجيء إن شاء الله لهذا تتمة. (ش)
(٣٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 375 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب طينة المؤمن والكافر 3
2 باب آخر منه 15
3 باب آخر منه 21
4 باب 32
5 باب 35
6 باب 36
7 باب 42
8 باب 43
9 باب 44
10 باب 46
11 باب الإخلاص 49
12 باب الشرائع 57
13 باب دعائم الإسلام 61
14 باب 74
15 باب آخر منه 85
16 باب 87
17 باب 101
18 باب السبق إلى الإيمان 121
19 باب درجات الإيمان 130
20 باب آخر منه 135
21 باب نسبة الإسلام 138
22 باب خصال المؤمن 143
23 باب 151
24 باب صفة الإيمان 159
25 باب فضل الإيمان على الإسلام واليقين على الإيمان 163
26 باب حقيقة الإيمان واليقين 168
27 باب التفكر 174
28 باب المكارم 178
29 باب فضل اليقين 186
30 باب الرضا بالقضاء 196
31 باب 206
32 باب حسن الظن بالله عز وجل 227
33 باب الطاعة والتقوى 235
34 باب العفة 251
35 باب اجتناب المحارم 253
36 باب أداء الفرائض 257
37 باب استواء العمل والمداومة عليه 259
38 باب العبادة 261
39 باب النية 265
40 باب 269
41 باب الإقتصاد في العبادة 271
42 باب 274
43 باب الصبر 277
44 باب الشكر 291
45 باب حسن الخلق 303
46 باب حسن البشر 312
47 باب الحياء 317
48 باب العفو 319
49 باب كظم الغيظ 323
50 باب الحلم 328
51 باب الصمت وحفظ اللسان 333
52 باب المداراة 343
53 باب الرفق 347
54 باب التواضع 354
55 باب 363
56 باب ذم الدنيا والزهد فيها 372
57 باب باب القناعة 407
58 باب الكفاف 412
59 باب تعجيل فعل الخير 415
60 باب الإنصاف والعدل 419
61 استدراك 428