شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٨ - الصفحة ٣٧٨
اللواحق وقد مر شرحه بقدر الواسع (1) ما ذكر الله تعالى بقوله: إلا وأن الزهد في آية من كتاب الله عز وجل (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتيكم» فيه تنفير عن تمنى الدنيا والرضا بحصولها وعن الهم بفواتها ودلالة على أن الزهد ليس فقد هابل عدم تعلق القلب بها بحيث لا يفرح بحصولها، ولا يحزن بفواتها، وبعبارة أخرى يتركها ويغتم بوجودها لعلمه بأنها من أعظم أسباب الغفلة، ونقل السيد رضى الدين عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال «الزهد بين كلمتين قال الله تعالى «لكيلا تأسوا (أي تحزنوا) على ما فاتكم (من عروض الدنيا) ولا تفرحوا بما آتيكم» ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بما أتي فقد أخذ الزهد بطرفيه، وقيل الزهد تحويل القلب من الأسباب إلى رب الأسباب ومن إتصف بهذين الوصفين فقد حول قلبه إذ الميلان فرع الفرح والمحبة. ومن كلامه (عليه السلام) لئن ساءني دهر غرمت بصيرة * فكل بلاء لا يدوم يسير وإن سرني لم أبتهج بسروره * فكل سرور لا يدوم حقير ومن رأى بعين اليقين هذا المعنى فقد جذب إليه أهدا به وقد عرفت أن للزهد شعبا كثيرة فمراده (عليه السلام) أن هذين الوصفين يصيران المتصف بها متصفا بأوصاف آخر.
* الأصل 5 - وبهذا الإسناد، عن المنقري، عن سفيان بن عيينة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) وهو يقول: كل قلب فيه شك أو شرك فهو ساقط، وإنما أرادوا بالزهد في الدنيا لتفرق قلوبهم للآخرة.
* الشرح قوله: (كل قلب فيه شك أو شرك فهو ساقط) كان المراد أن كل قلب متعلق بالدنيا وإن فاتته فيه شك في أمر الآخرة إذا ليقين يقتضى رفض الدنيا، أو شرك بالله لمتابعة الهوى، والترديد على سبيل منع الخلو فهو ساقط عن درجة المحبة والسعادة والزهد وبين ذلك بقوله (وإنما أرادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة) يعني أن الغرض من الزهد في الدنيا ورفضها تخليص القلب وتطهيره عن حب الدنيا وعن ميله إليها وجعله متوجها إلى أمر الآخرة وما ينفع فيها خالصا له بدوام الذكر

1 - قوله «وقد مر شرحه بقدر الواسع» في الصفحة 195 من هذا المجلد وهو من نفائس هذا الكتاب. قوله «أو شرك فهو ساقط» والمراد بالشرك الرياء، وسفيان بن عيينة من أئمة أهل السنة والجماعة وكان فيهم من يتظاهر بالزهد للتقرب إلى الخلفاء والوجاهة عند العامة، ونبه الإمام (عليه السلام) سفيان على ما عند ذويه ليعلمهم ويبصرهم عيوبهم، ومراد الشارع من الأمر بالزهد فراغ القلب عن الدنيا، وطلب الوجاهة والتقرب إلى السلاطين لا يدع في القلب فراغا حتى يفكر في أمور الآخرة. وأما الشك في الآخرة فأمره أعظم من ذلك. (ش)
(٣٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 ... » »»
الفهرست