شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٨ - الصفحة ٣٧٥
الوسطى ثم الحاصل في الثلاثة الأخيرة حصل سبعة وعشرون نوعا متفاوت المراتب والدرجات ويندرج تحت كل نوع أشخاص وجزئيات غير محصورة والله ولى التوفيق، وقد أشار (عليه السلام) إلى بعض آثار الزهد ولوازمه بقوله (أثبت الله الحكمة في قلبه) حتى يصير قلبه نورا إلهيا وضوءا ربانيا ينقطع عن التعلقات الناسوتية لمشاهدة جمال إسرار الغيبية اللاهوتية.
(وانطق بها لسانه) حتى يقول الحق ويشرد إليه ويصمت عن الباطل ويخوف عليه.
(وبصرة عيوب الدنيا داءها ودواءها) أما عيوبها فهي إنها دار بالبلاء محفوفة وبالغدر معروفة وبالفناء موصوفة لا تدوم أحوالها ولا يسلم من الآفات نزالها أحوالها مختلفة وأوضاعها متبدلة ونعمها منصرمة، العيش فيها مذموم والأمان فيها معدوم والطالب لها مغموم وأهلها إعراض مستهدفة ترميم بسهامها وتفنيهم بحمامها، وأما داؤها فهو الغفلة عن الحضرة الربوبية والاستحقاق للعقوبة الدنيوية والأخروية، وأما دواؤها فهو تنزيه النفس عن الميل إلى زهراتها والرغبة في قنياتها والعبرة بأحوال الماضين والإتعاظ بأوضاع السابقين حيث كانوا أطول أعمارا وأعمر ديارا وأبعد آثارا وأشد قوة وأكثر أعوانا فقد صارت أصواتهم هامدة ورياحهم راكدة وأجسادهم بالية وديارهم خالية وآثارهم عافيه فإستبدلوا بالقصور المشيدة والنمارق الممهدة الصخور والأحجار المسندة والقبور اللاصقة اللاطئة والعجب إن المؤمن يعلم أن الأمراض الروحانية ليست بأهون من الأمراض الجسدانية وهو يسعى في دفع هذه الأمراض بقدر الإمكان ويغفل عن دفع الأولى ويضعها في زاوية النسيان، ومن الله التوفيق والتكلان. (وأخرجه من الدنيا سالما) (1)

1 - قوله «وأخرجه من الدنيا سالما» يدل الحديث بسياقة على أن السلامة عند الخروج من الدنيا إنما هي بسبب بصيرة الرجل على عيوب الدنيا وثبات الحكمة في عقله وأن العقل لا يكمل إلا بالزهد والحكمة لا تثبت إلا بالعقل وليس خلق العقل لعمران الدنيا وإلا لم يكن يكمل بالزهد، بل كان يكمل بالحرص كما يكمل الجزبزة والمكربة. ويهمنا هنا بيان شيئين الأول أن العقل أو القلب أو النفس الناطقة - وكل ما شئت فسمه - موجود جوهري مستقل عند البدن بنفسه وليس من أجزاء هذا الدنيا وإعراضها بل هو من عالم آخر ومن سنخ الملائكة المدبرة والعقول القدسية العالمة بجميع الأشياء والمطلعة على الغيوب التي ترتبط نفوس الإنسان معها في الرؤيا الصادقة على ما سبق. والثاني أن الموجود الجوهري باق ببقاء علته ولا ينفي أبدا إلا أن ينفي علته وليس كالإعراض والتركيبات التي تنفي مع بقاء علتها الفاعلة بتلاشي أجزائها وتفكك عناصرها - قال المحقق الطوسي في التجريد: والسمع دل عليه يعني على العدم. وقال العلامة - (رحمهم الله). في شرحه يدل على وقوع العدم السمع وهو قوله تعالى «هو الأول والآخر» وقوله تعالى «كل شيء هالك إلا وجهه» وقال تعالى «كل من عليها فان» وقد وقع الإجماع على الفناء وإنما الخلاف في كيفيته على ما سيأتي، وقال المحقق الطوسي (رحمهم الله) ويتأول في المكلف بالتفريق كما في قصة إبراهيم (عليه السلام)، وقال العلامة المحققون على امتناع إعادة المعدوم وسيأتي البرهان على وجوب المعاد وههنا قد بين أن الله تعالى يعدم العالم وذلك ظاهر المناقضة ثم قال عليه الرحمة: تأول المصنف معنى الإعدام بتفريق أجزائه والامتناع في ذلك فإن المكلف بعد تفريق أجزائه يصدق عليه أنه هالك بمعنى أنه غير منتفع به أو يقال أنه هالك بالنظر إلى ذاته إذ هو ممكن وكل ممكن بالنظر إلى ذاته لا يجب له الوجود إذ لا وجود إلا للواجب بذاته أو بغيره فهو هالك إنتهى، ونقل هو عن الكرامية وهم طائفة من المسلمين والجاحظ وهو من رؤساء المعتزلة القول بإستحالة عدم العالم بعد وجوده فلا تنفى بذاتها ولا بالفاعل لأن وهو شأنه الإيجاد لا الإعدام وهذا لا يثبت مطلوبهم لأنهم اعترفوا بإمكان الوجود للعالم ذاتا والإمكان لا يجتمع مع استحالة العدم وبالجملة فالإعدام عند العلامة وغيره من المحققين إنما هو بمعنى التفريق في المركبات ولا يتحقق في البسائط الجوهرية والنفس الناطقة تبقى بعد ثبوت تجردها وعدم توقف وجودها على تركيب العناصر في البدن. (ش)
(٣٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 ... » »»
الفهرست